الحماية القانونية للطفل في التشريع الجزائري

Abstract

عاشت الطفولة منذ الأزل البعيد أوضاعا مـأساوية لا يذكر فيها أدنى حقوق للطفل، بل كان الأطفال يُقتلون بأبشع الأساليب حينما اختفت قيم الإنسانية ومشاعر الرحمة لدى الإنسان القديم إلى أن جاءت شريعتنا الغراء بنورها الذي ملأ الدنيا، وكان الطفل الأكثر حظا من حيث اهتماماتها، فأقرت له حقوقا وهو جنين وقدّست روحه وصانت آدميته إلى أن يبلغ أشده، وفي المقابل فإن التشريعات الوضعية سعت منذ عقود من الزمن في توفير حماية لهذه الفئة بفضل تنامي الفكر التحرّري الذي نادى بضرورة تحرير هذه الفئة من براثن الظلم والقهر والارتقاء بها إلى مستويات تحفظ كرامتها، واستمر هذا الكفاح لعقود طويلة إلى أن توّجت مجهودات المجموعة الدولية بإبرام العديد من الإتفاقيات الدولية الرامية للتكفل بهذه الفئة على جميع الأصعدة والاعتراف لها بجملة من الحقوق لم يسبق أن حظي بها الطفل، أهمها اتفاقية حقوق الطفل، أما عن التشريع الجزائري فإن الطفل كان دوما في صلب اهتمامات المشرّع الجزائري، إذ ومنذ الاستقلال عكف على بناء نظام حماية فعال للطفل من خلال تقريره لجملة من الحقوق الأساسية له منذ تخلقه في بطن أمه أن يبلغ راشدا، حيث تعددت مجالات الحماية التي جسّدت في القوانين الداخلية المختلفة أبرزها قانون الأسرة الذي نظم العلاقات التي تربطه بين أفراد الأسرة، فأقر له حقوقا مدنية كالحق في النسب والاسم والجنسية والحماية عبر نظام النيابة الشرعية ومنحه الشخصية القانونية التي تمكّنه من اكتساب الحقوق وتحمّل الالتزامات وكفل له الحماية الجنائية من كافة أشكال الضرر والإهمال والعنف وسوء المعاملة والاستغلال، كما تصدّى لكل الانتهاكات الماسة بسلامته البدنية أو المعنوية أو الجنسية، ولضمان وقايته وفّر لأجل ذلك جميع الشروط اللازمة لنموه ورعايته والحفاظ على حياته وتنشئته تنشئة سليمة وآمنة في بيئة صحية وصالحة بعيدا عن كل التأثيرات الماسة بتوازنه البدني والفكري، وهو ما تجسد فعليا من خلال الآليات القانونية المستحدثة التي عكست إرادة المشرّع في الإنخراط ضمن المساعي الدولية الرامية للعناية بهذه الشريحة إيمانا بأهميتها والتزامها بالاتفاقيات الدولية لحماية الطفل، فاستحدث القانون 15/12 المتعلق بحماية الطفل والذي تبنى من خلاله جملة من الآليات العملية على الصعيد الاجتماعي والقضائي لمواجهة هذه المخاطر ومعالجة ظاهرة جنوح الأحداث ضمن استراتيجية هادفة للرقي بحقوق الطفل، ذلك من خلال إنشاء ولأوّل مرة هيئة وطنية لحماية وترقية الطفولة تابعة للوزير الأوّل يرأسها مفوّض وطني لحماية الطفولة تسهر على حماية وترقية حقوق الطفل، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وتتولى وضع برامج وطنية ومحلية لحماية وترقية الطفولة بالتنسيق الدائم مع الهيئات الدولية، وهي بذلك تعد جهاز إنذار مبكر لدرء الخطر عن الطفل تدعمها مصالح الوسط المفتوح على المستوى المحلي في متابعة حالات الأطفال المعرّضين للخطر ومرافقة الأسر ومساعدتها في التكفل بالأطفال المحرومين تحت إشراف قاضي الأحداث الذي يمكنه اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الطفل من الخطر متى اقتضت مصلحة هذا الأخير ذلك، وفي المقابل خص المشرّع الطفل الجانح هو الآخر بحماية خاصة وأولاه أهمية قصوى بعدما تخلى عن الطريقة التقليدية لمعالجة جنوح الأحداث القائمة على النظرة الضيّقة للانحراف، واقتفى أثر التشريعات الحديثة في قضاء الأحداث الرامية لضرورة التدخل لإنقاذ الحدث قبل ولوجه عالم الإجرام والتخلي عن فكرة الردع العام والانتقام والتحوّل لفكرة الإصلاح والعلاج، وتركيز الجهود حول كيفية استئصال جذور الخطورة الإجرامية الكامنة في الطفل، وهو النهج الذي سلكه في قانون حماية الطفل من خلال الحقوق والضمانات التي تم إقرارها لحماية الطفل الجانح عبر كامل مراحل الخصومة الجنائية سيما أثناء التوقيف للنظر وكذا مرحلتي التحقيق والمحاكمة، حيث عزّز هذه الحماية بصورة جلية عند مرحلة التنفيذ عن طريق وضع آليات حماية داخل المؤسسات والمراكز المتخصصة في حماية الطفولة أملا في استعادته إلى الأسرة والمجتمع عضوا صالحا نافعا.

Description

Keywords

الطفل -الحماية -التشريع الجزائري

Citation

Collections