871مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان Le rôle de l›Empire ottoman dans la consolidation du sectarisme au Liban تاريخ إرسال المقال : 2018/01/04 تاريخ قبول المقال للنشر : 2018/02/15 أ. عائشة بن ساعد / جامعة خميس مليانة ملخص : ما زالت الظاهرة الطائفية إلى حد الآن محور الصراع والتنافس في المجتمع اللبناني ، وهي الدافعة والمحددة لكل أشكال وأنماط التنظيم المجتمعي و السيا�سي ، حيث اكتسبت الجماعات الدينية في سياق تطورها التاريخي كيانات سياسية تتمتع بشبه استقلال ذاتي ، مما جعل من الدولة اللبنانية تبدو وكأنها كاتحاد بين جماعات دينية ، تتقاسم سلطتها وتشارك في حياتها السياسية. وفشلت كل محاولات إصلاح بنية الدولة عقب كل المراحل التاريخية ، مما جعل نجاح التعايش بين هذه الجماعات رهنا بالتوازن المركب والمعقد لمصالحها. الكلمات المفتاحية : الدولة العثمانية ، الطائفية ، الدولة اللبنانية ، المجتمع اللبناني . Résumé: Dans le contexte de son développement historique, les groupes religieux ont acquis des entités politiques semi-autonomes, faisant apparaître l›Etat liba- nais comme une union de groupes Religieux, partageant leur autorité et partici- pant à leur vie politique. Toutes les tentatives de réforme de la structure de l›Etat ont échoué après toutes les étapes historiques, rendant le succès de la coexistence entre ces groupes dépendant de l›équilibre complexe et complexe de leurs intérêts. Mots-clés: État ottoman, sectarisme, État libanais, Société libanaise. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 872 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني مقدمة : تكتسب مرحلة الوجود العثماني في لبنان أهمية خاصة في تطور تاريخ لبنان السيا�سي الحديث والمعاصر، حيث شكلت أنماط تعامل الباب العالي مع أشكال التنظيم التقليدية للمجتمع اللبناني، بداية التأسيس للنظام الطائفي، وأعطى للشعب اللبناني صفة المجتمع المتعدد الطوائف، فبعد تعزيز سلطة الدولة العثمانية على ضفاف البوسفور والأناضول، دخلت الجيوش العثمانية إلى الشام من الشمال وبعثرت قوات المماليك في واقعة »مرجع دابق« بالقرب من حلب سنة 1516. ومنذ هذه المعركة، تأكد النصر للعثمانيين ففرضوا وجودهم على المشرق العربي. وأعادوا هيكلة الانقسامات الموجودة في عهد المماليك، فجاءت الولاية مكان النيابة والوالي مكان النائب. ووضعوا قوانين جباية جديدة للضرائب ونظموا العلاقات بالأقليات. فكان للحكم العثماني خصائص عدة بالنسبة للعلاقات مع الأقليات ضمن بيئة التعددية الإثنية والعرقية. وبدأ عهد جديد تميز بدخول البلاد في نفق الطائفية التي حلت محل الانقسامات الحزبية التي عرفها جبل لبنان في السابق، وبلغت الفتن الطائفية المتتالية ذروتها بالحرب الأهلية سنة 1860، وما لحقها من أزمات طائفية هددت الدولة والعيش المشترك بين أبناء لبنان. ولا تزال الظاهرة الطائفية إلى الآن محور الصراع والتنافس بين مختلف مكونات المجتمع والسيا�سي، حيث المجتمعي التنظيم وانماط أشكال لكل والمحددة الدافعة وهي اللبناني، اكتسبت الجماعات الدينية في سياق تطورها التاريخي كيانات سياسية تتمتع بشبه استقلال ذاتي، مما جعل من الدولة اللبنانية تبدو وكأنها كاتحاد بين جماعات دينية، تتقاسم سلطتها المراحل الدولة عقب كل بنية السياسية. وفشلت كل محاولات إصلاح في حياتها وتشارك التاريخية، مما جعل نجاح التعايش بين هذه الجماعات رهنا بالتوازن المركب والمعقد لمصالحها. ويكت�سي أهمية بحث دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية في لبنان أهمية بالغة، لما يمكن أن تقدمه نتائجه في فهم السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية، التي انتجت هذه الطاهرة الاجتماعية وتحولها من الحقل الاجتماعي إلى مجال السياسية خلال الإشراف العثماني على المناطق اللبنانية، ودعم ولاة الدولة العلاقات الاجتماعية القائمة على القرابة لإنتاج زعامات وقوى محلية قوية، وفهم أيضا طبيعة السياسات غير الاندماجية عبر مجموعة من القوانين والمراسيم الإدارية. لقد أثرت التحولات التي عرفها جبل لبنان خلال فترة حكم الإمبراطورية العثمانية، على بنية التركيبة الاجتماعية لسكانه، وكانت بذلك سببا في تحول طبيعة الطبيعة الصراع وأشكاله بين القوى الاجتماعية اللبنانية، ومن ذلك سوف نحاول من خلال هذا البحث استعراض مختلف المراحل التي كان للإمبراطورية دورا في إدارة الصراعات في جبل لبنان بين مكوناته 873مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الاجتماعية والمذهبية، وذلك بطرح السؤال التالي : كيف ساهمت الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية المذهبية في بنية الحياة السياسية للدولة اللبنانية؟. وللإجابة على هذا السؤال تفترض الدراسة وجود دور أسا�سي للسياسات العثمانية في تعاملها مع الأقليات الدينية بجبل لبنان، عبر تعميق الخلافات الطبقية والدينية لتكريس بقاء لبنان تحت ولايتها وديمومة مصالحها الاقتصادية. وعليه سوف نحاول التحقق من صحة هذه الفرضية من خلال المحاور التالية: 1- الدور العثماني في عهد الإمارة »المعنية«. 2- الدور العثماني في عهد الإمارة الشهابية. 3- نهاية نظام الإمارة في جبل لبنان. 4- الحكم العثماني المباشر لجبل لبنان. 5- العثمانيون ونظام القائمقامية في جبل لبنان. 6- العثمانيون ونظام شكيب أفندي. أولا : الدور العثماني في عهد الإمارة “ المعنية “ انهارت الإمارة الثنوخية1*، وهي أقدم الإمارات الإقطاعية في لبنان، نتيجة وقوف زعمائها إلى جانب المماليك، مما أدى إلى صعود المعنيين المتحالفين مع العثمانيين، وأستغل الأمير »فخر الدين المعنى الأول« الفرصة وذهب رفقة وفد من الإقطاعيين اللبنانيين إلى دمشق، وأييّد هناك الخلافة العثمانية، فجعله السلطان مقدما على سائر الأمراء والإقطاعيين في جبل لبنان2. لعب الأمير »فخر الدين المعني« دورا هاما في الجمع بين أمراء الجبل ومشايخه الإقطاعيين، وفرض أولوياته عليهم، ودمجهم في إدارة سياسية عسكرية مشتركة، وأوجد بذلك مؤسسة سياسية وإدارية مكنت سكان الجبل، وبعض سكان الساحل من الالتقاء حول قواسم وطنية مشتركة. إلا أن الإمارة المعنيّة كانت مثل إمارات الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت تتجاذبها الصراعات الداخلية، التي تعتبر ركيزة أساسية في تطورها أو زوالها3. وفي سنة 1584م توترت العلاقة بين الأمراء المعنيّين والباب العالي، بسبب مكيدة دبرها يوسف سيفا4)*(، الذي هاجم رجاله فوج من الجيش الانكشاري في منطقة”عكار”، وهم في طريقهم للأستانة لتوصيل ضرائب مصر وفلسطين، وأدعى “بنو سيفا” أن للمعنيّين يد في ذلك، فأرسل السلطان “مراد الثالث” حملة تأديبية بقيادة والي مصر “إبراهيم باشا”، والتي توغلت في الجبل واشتبكت مع الدروز في إقليم الشوف، وهرب بعدها الأمير “قرقماز”5** إلى الجبال، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 874 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني واحتمى بها، وكتب إلى الباشا رسالة يؤكد له فيها الولاء والطاعة للدولة العثمانية، وكرر فيها استعداده التام للقيام بخدمته، وببراءته ورجاله من الحادثة التي وقعت في »عكار«، غير أن »إبراهيم باشا« أصر على ضرورة مثوله أمامه، وهو ما رفضه الأمير »قرقماز« لمعرفته الجيدة بغدر ومكر الباشا6. فأمر هذا الأخير قواته باجتياح الشوف، وفي وقت قصير كانت أغلب القرى مدمرة عن آخرها. عقب الحملة العثمانية على جبل لبنان، عين »إبراهيم باشا« قبل مغادرته »مو�سى ابن الحرفوش«7*** أمير جديد على الجبل، واستطاع بذلك والي مصر إخضاع جبل لبنان للسيطرة العثمانية المباشرة، بعد عجز المحاولات العديدة للعثمانيين من أجل ذلك. ً وفي ظل هذه الأزمة التي عصفت بالمعنيّين، وأميرها »قرقماز« الذي توفي في »جزين« متأثرا بما حدث لإمارته، نشأ ابنه »فخر الدين الثاني« الذي ولد سنة 1572م، وكان يمكن أن يُق�سى عليه مثل أبيه، لولا هرب أمه به إلى قرية »بلونة« بكسروان. وقد عمل أخواله الموارنة على تعليمه وتدريبه على فنون الحكم والإدارة، إلى جانب الفروسية وفنون الحرب. شؤونهم في المتواصلة العثمانية التدخلات من ودروز( الجبل)موارنة سكان ضاق الداخلية، وأدرك الشيوخ والزعماء بأن الوقت قد حان، من أجل انقاذ الجبل واستقلاله، وعملت العائلتين الإقطاعيتين »آل الخازن« و«آل حبيش« في كسروان بجد من أجل تحقيق هذا المشروع، ورأوا أنه من الأحسن أن يكون قائد هذه الوحدة من »آل معن«، فلم يكن أمامهم أفضل من الأمير »فخر الدين« حفيد الأمير المؤسس للإمارة المعنيّة بالجبل، وبعد أن أشتد ضغط زعماء الجبل على الإمبراطورية العثمانية، وافق والي »دمشق« على تعيّن فخر الدين أميرا جديدا لـ »جبل الدروز« سنة 1590م8. اقتصرت ولاية الأمير »فخر الدين« في البداية على الحدود القديمة لجبل لبنان، والتي كانت من الساحل الفينيقي بما فيها صيدا. وكان لفخر الدين برنامج ً تشمل منطقة الشوف وجزءا عمل يهدف إلى وحدة وطنية شاملة ثابتة الأركان والدعائم. فعمل أولا على توحيد حلفائه، من الدروز والموارنة، ومن سكان هاتين الطائفتين وشكل جيشا قويا، ضرب به كل خصومه داخل الإمارة في مرحلة أولى خاصة أمراء »آل سيفا«، الذين كانوا يطمحون أيضا لإعادة بسط نفوذهم على المنطقة، ثم تابع توسعه نحو المناطق المجاورة شرقا وجنوبا، وعقد تحالفات عديدة لكسب الأصدقاء وصد الخصوم، مستغلا في ذلك الأزمات التي تعرفها الدولة العثمانية في كثير من المناطق، ومع الدول الأوروبية الساعية هي الأخرى للحصول على مناطق تابعة لها. وخلال فترة حكمه الطويلة التي استغرقت ثلاثة وأربعين)43( عاما، تمكن فخر الدين من تحقيق وحدة لبنان الجغرافية المعروفة الآن، ووصل »الأمير الكبير«- كما يطلق عليه في الجبل- في بعض أوقات حكمه إلى بسط نفوذه الفعلي حتى على جبال الجليل في فلسطين وعمق سوريا 875مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني البري، فضلا عن الساحل الذي يصله بالبحر الأبيض المتوسط وسهل البقاع الواسع9. الازدهار الأمن، أساسية: ركائز ثلاث على الداخلية الدين فخر الأمير سياسة قامت الاقتصادي، التسامح الديني )عدم الاعتراف بالطائفية(، وكانت تعتمد كل واحدة من الركائز الثلاثة على الأخرى، وحتى يدعم الأمن الداخلي »أقام الحاميات وبني القلاع والأسوارـ كقلعة »بانياس« و«تدمر«ـ، وشيد الأبراج؛ كبرج الكشاف في بيروت، واستورد المدافع من أوروبا«10. فقد أسس الأمير فخر الدين لإمارة قوية قادرة على مواجهة كل الأزمات على اختلاف مصادرها، خاصة الجبهة الداخلية التي نسج فيها شبكة مصالح وعلاقات مع الإقطاعيين وزعماء الطوائف، وأقام بينهم جسور للمصالحة والصدقات، حتى مع أولئك الذين كانوا من أشد أعدائه، حيث نجح مثلا في مصالحة عائلة »بني عساف«، رائدة الحزب اليمني11)*(، بأن تزويج ابنة زعيمهم يوسف أبو سيفا . وقد حصل الأمير فخر الدين جراء كل الأعمال التي قام بها على الزعامة الفخرية، من طرف الأهالي وزعمائهم الإقطاعيين والدينيين ، وتدعمت أكثر هذه الزعامة عندما حصل على قبول من الباب العالي، وأصدر السلطان »أحمد الأول« قرار ببراءته من التهم التي ألصقها به خصومه، وأعاد له مقاطعة صيدا بحجة أن هذه المقاطعة كانت تابعة للإمارة في عهد أبيه الأمير »قرقماز«. كما ألحقت به بيروت التي أخذت تقوم من ذلك الحين بدور المرفأ الطبيعي للبنان12. نجاح الأمير فخر الدين في بسط نفوذه وتقوية إمارته، أثار القلق لدى باشاوات سوريا، فسارعوا إلى إخطار سلطان الباب العالي عن تحالفات الأمير الخارجية، وخاصة مع الدول الأوروبية، وأخبروه بالاتفاقية السرية التي عقدها الأمير مع دوق توسكانة ضد الإمبراطورية العثمانية. فأمر السلطان سنة 1613م بمحاصرة الجبل واحتلال المناطق الإستراتيجية به، وتهيئوا لاقتحام دير القمر مقر إقامة الأمير بمساعدة خصومه السابقين من »آل سيفا«، فما كان من هذا الأخير غير الفرار إلى فلورنسا، والتي مكث بها خمس سنوات كاملة استغلها في توطيد علاقاته مع أوروبا، والتقرب من سلطان الباب العالي، وهو حدث بالفعل حيث نال في الأخير رضا السلطان بعد أن أغدق عليه بالهدايا، فسمح له بالعودة من جديد لإمارة الجبل في سبتمبر 1618م13. بعد عودة الأمير فخر الدين إلى الجبل، قام أول �سيء بالانتقام من حميه »يوسف بن سيفا«، الذي أحرق قصره في دير القمر بينما كان الأتراك يطاردونه، وتوافق ذلك الخلاف الذي وقع بين »عمر باشا « والي طرابلس و» آل سيفا « الذين رفضوا دفع الضرائب، فاستنجد الوالي بالأمير لإجبارهم على إطاعة أوامره، فأجتاح جيشه منطقة عكار وطرابلس، حيث قام بتدمير بيوت يوسف سيفا، ونهب القرى التي كانت تحت سلطته، وأخضع في النهاية لبنان الشمالي لسلطته. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 876 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني وبسبب تعاظم قوته، وتنامي علاقاته الخارجية بالإضافة إلى علاقات الودّ والتعاطف مع رجال الدين الموارنة14 والبعثات التبشيرية المسيحية التي عرفت انتشارا كبيرا في عهده، بالإضافة إلى تلقيه أموال من » توسكانا « لدعم مشروعه الانفصالي عن الحكم العثماني. كل هذه الأسباب كانت كافية من أجل اتهام الأمير فخر الدين بالخيانة العظمى من طرف الإمبراطورية العثمانية مرة أخرى. ولذلك، أرسلت حملة عسكرية بقيادة » أحمد كجك باشا « )أحمد الصغير( ، والي دمشق سنة 1633م، فحاصرت الجبل، ورغم المقاومة التي أبداها الدروز والموارنة لحماية أميرهم فقد انهزموا بسبب الفارق الكبير في العدد بين الطرفين، فأضطر الأمير للاستسلام بعد رفض الجميع حمايته، ونقل لأسطنبول أين اعدم هناك رفقة ثلاثة من أبنائه كانوا قد قاتلوا إلى جانبه سنة 1635م. خلف الأمير فخر الدين ابن أخيه »ملحم بن يونس« الذي عينه العثمانيون حاكما على خمس نواح في الشوف، بالإضافة للمتن وكسروان، ودام حكمه عشرين عاما. وعند وفاته خلفه حفيد فخر الدين »أحمد معن«، والذي سار على نفس نهج جده في استغلال فترات ضعف الإمبراطورية من أجل تحقيق المزيد من الاستقلال الذاتي للجبل، وهو ما أغضب الباب العالي وشنت عليه حملة تأديبية15، فهرب خلالها دون أن يقع في الأسر ومات دون أن يترك ورائه أولاد يرثون الحكم من بعده ، وانقرضت بذلك الأسرة المعنيّية . وعلى إثر انقطاع نسل »آل معن« من إمارة جبل الشوف، دعا العثمانيون الإقطاعيون عن ً عليهم تتوارث ذريته منصب الولاية خلف ً حاكما ً الدروز إلى الاجتماع رسميا وانتخاب أميرا سلف، فوقع اختيارهم على حلفاء المعنيّين، وهم الأمراء الشهابيون، رؤساء الحزب القي�سي وقتئذ في واد التيم، وأجمع أتباع المعنيّين على انتخاب بشير بن حسين الرشاني كبير أسرته ، حاكما على لبنان16. وهو ابن أخت الأمير »أحمد المعني«. أما الباب العالي ففضل في الأخير تعيين »حيدر شهاب« إبن بنت الأمير »أحمد المعني « ، وإبن عم البشير ، ولما كان حيدر يبلغ من العمر إثنى عشر)12( سنة ، فقد تم تعيين البشير وصيا عليه حتى يبلغ سن الرشد. ثانيا : الدور العثماني في عهد الإمارة الشهابية واصل الأمير بشير سياسة الأمير فخر الدين الثاني في توسيع إمارة الجبل إلى »جبل عامل«- موطن الشيعة اللبنانيين- وفلسطين، بالرغم من الأزمات العديدة التي عرفتها الإمارة في ذلك الوقت، ومنها معارضة أل سيفا وأتباعه، فرغم وفاة القائد يوسف أبو سيفا - ألد خصوم الحزب القي�سي في المنطقة-، وطرد عائلته من طرابلس سنة 1637م، إلا أن أسرة »علم الدين« ظلت بعد ذلك مركزا للمعارضة في الجبل، وتحظى بتأييد اليمنيّين في مختلف مناطق لبنان، حيث أختار »أحمد كوشتك باشا« والي دمشق »علي علم الدين« أميرا على جنوب لبنان، الأمر 877مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الذي عزز مكانتهم، وزاد من سعيهم للاستيلاء على سلطة الجبل، وقد اتبع »علي علم الدين« سياسة حزبية عنيفة، حيث قام بالاستحواذ على ممتلكات المعنيين وأضطهد أتباعهم، ووقعت بين الحزبين »اليمني« و»القي�سي« عدة مصادمات دموية، كانت الغلبة في مرحلتها الأولى لليمنيين المدعومين من طرف العثمانيين17. وعقب وفاة بشير الأول وتولي »حيدر شهاب« الإمارة، جمع الأمير جموع القيسية من اللمعيين )عائلة بللمع( و»بني الخازن« و»حمادة« و»جنبلاط«، وغيرهم من الدروز والموارنة، وهاجم اليمنية في »عين دارة« سنة 1711م18، حيث أسفرت المعركة على اندحار اليمنييين، ونزوح قسم كبير من الدروز الذين كانوا ينتمون إلى هذا الحزب إلى جبال حوران19. وبعد الانتصار الساحق الذي حققه القيسيّون، بقيادة »الشهابين«، على الحزبية اليمنية بقيادة »آل علم الدين«، حدد الأمير »حيدر شهاب« نظام لبنان، وفقا لمصالح أعوانه في الحزب القي�سي وأعاد تنظيم النظام المقاطعجي، حيث كرّم العديد من العائلات التي شاركت في المعركة، وأقتطع لها أجزاء من المناطق التي كانت تحت سلطة العائلات اليمنية، ومدّ الأمير حيدر سلطته بعد ذلك على بشرى والبترون وجبيل والبقاع وجبل الريحان. ويرى المؤرخون أن تاريخ لبنان خلال الحكم الشهابي لم يتغير بعد معركة »عين دارة«، ولم يكن أقل إضظرابا من الفترة السابقة. فبعد وفاة الأمير »حيدر« سادت فترة من النزاع الداخلي الدرزي على الخلافة، وهو أمر لم يكن موجودا في الأسرة المعنية. وانقسم »القيسيون« فيما بينهم إلى حزبين؛ جنبلاطية )نسبة إلى آل جونبلاط، وهم من أقوى الأسر الدرزية(، ويزبكية )نسبة إلى آل يزبك، وكان يزبك شيخ بني عماد، نسبة إلى مدينة العمادية بالقرب من الموصل، اعتنقوا الدرزية لما استوطنوا في لبنان(، ومع الزمن أصبح هذا الانقسام الحزبي؛ جنبلاطي ويزبكي، لا يشمل الدروز وحسب، بل تعدّاهم إلى سائر أهل البلاد من المسيحيين والمسلمين فلم تكن هذه الحزبية مرتبطة بالفكر الطائفي. وقد ظل هذا الانقسام في الولاء يمارس منذ ذلك الحين دوره في الصراعات السياسية، وبقايا هذا الانقسام الحزبي لا تزال قائمة إلى الآن، وكأن قدر لبنان هو الانقسام دوما إلى فريقين فبعد القيسية واليمنية جاءت الجنبلاطية واليزبكية، وبعدها أشكال أخرى من الانقسامات الثنائية المتجددة كل مرة بأشكال مختلفة. الأمير الحكم أعباء وأتعبت والخارجية، الداخلية الشهابية الإمارة مشاكل تعاظمت »ملحم« »الذي أصابته نوبة من الزهد والتصوّف، فتخلى عن منصبه عام 1754م، وأقام في بيروت حيث كرس حياته للعبادة ودراسة العلوم الإسلامية«20، ومعاشرة علماء الإسلام، أما ولداه فقد اعتنقا المسيحية وأنظما إلى الطائفة المارونية. ثم تبعهما أقاربهما من اللمعيين. الأسرة أطراف بين حادة داخلية نزاعات الإمارة تاريخ من المرحلة هذه عرفت وقد الشهابية، حيث كان التنافس شديد بين أخواه الأمير » منصور« الذي كان يميل إلى الحزب مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 878 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الجنبلاطي، والأمير »أحمد«، الذي كان يميل إلى الحزب اليزبكي، ودارت بين الاثنين معارك كثيرة في سبيل الحصول على الإمارة، واستمرا في الحكم الثنائي للإمارة أكثر من تسع سنوات حتى استطاع »منصور بن ملحم« أن ينفرد بالحكم في سنة 1763م. ولم يستطع الأمير منصور إزالة الانقسام الحزبي الذي بدأ يتجذر أكثر بين أهالي الجبل، وقد زاد ذلك سياسة الأمير منصور الاستعلائية على شيوخ الأسر المحلية، وتحالفه مع »محمد باشا العظم« والي صيدا. فنشأت ضده معارضة قوية رشحت الأمير »يوسف بن ملحم« لخلافته، ولم يصمد الأمير منصور كثيرا أمام ضغط معارضيه، خاصة وأن الموارنة وجدوا في انشقاق الأسرة الشهابية، فرصة لأن يكون لهم دور وموقف معين في توجيه شؤون الإمارة، فساندوا الأمير »يوسف« الماروني الجديد، كما أن الأمير يوسف وجد في الموارنة قوة يمكن الاعتماد عليها في تحقيق هدفه، فأعلن في اجتماع عقد في »الباروك« سنة 1770م، ضم الأمراء والمشايخ والأعيان، على التنازل إلى ابن أخيه، الأمير يوسف. الذي أعلن حاكما على البلاد21. ورفعت مذكرة بهذا الشأن عبر والي دمشق للباب ً العالي، والذي لم يستطع الاعتراض على تولي إمارة الجبل أمير تخلى عن ديانته الإسلامية، نظرا لمرحلة الضعف والانحطاط التي كانت تمر بها الإمبراطورية في ذلك الوقت، وانشغالها بحربها مع روسيا، وهي الحرب التي استمرت من 1768 إلى غاية 1774م22. فكانت تلك هي المرة الأولى في التاريخ التي يصل فيها أمير مسيحي، لسلطة إمارة منطقة من مناطق الإمبراطورية الإسلامية، وأول مسيحي يتمتع بالسلطة التامة من طرابلس إلى صيدا. عرف الجبل تحولات ديمغرافية عميقة، قبل تولية الأمير المسيحي عليه، حيث تراجع عدد الدروز بسبب تقاتلهم الداخلي وهجرتهم إلى “واد التيم”وسوريا، بعد معركة “عين دارة”. ورغم أنّ نفوذ الإقطاع الدرزي استمر في القرن الثامن عشر، فإن الموارنة أصبحوا الفئة الأكثر عددًا في جبل لبنان23، وحتى في معقل الدروز بالشوف أصبحوا أغلبية، وباتت دير القمر، عاصمة الأمراء الشهابين، وبلدة مارونية بامتياز. ولم يكن الموارنة أصحاب أملاك وثروة وسلطة سياسية في بدء انتشارهم في المناطق الجنوبية للجبل، لكنهم وبعد تعلمهم وتحصيلهم للمعارف وممارستهم تحت لهم الأبواب ليصبحوا أسياد الجبل ُ التجارة وتبوئهم المراكز المهمة في إمارة جبل لبنان ف فيما بعد24. نالت سياسة الأمير »يوسف« كأول أمير مسيحي رضا الأهالي في غالبيتهم، حيث استطاع الحفاظ على وحدة الأرا�سي اللبنانية من الجبل وسواحله على المتوسط إلى سهوله في البقاع وبعلبك. بل تمكن أيضا من فرض النظام والأمن في جميع مناطقه وقراه. غير أن محيط الأمير الجديد كان يعج بالطامعين للاستيلاء على الإمارة، خاصة والي صيدا »أحمد باشا الجزار«؛ داهية، عديم الذمّة، بارعا في تدبير المؤامرات والدسائس فاستطاع ً والذي عرف عنه أنه شخصا ، وأثار ً أو مانعا ً بأساليبه الخاصة أن يبسط سلطته على الساحل والجبل دون أن يجد رادعا العديد من الفتن بين الإقطاعيين ما مكنه من استعادة بيروت وكل الساحل اللبناني. ونفس ال�سيء بالنسبة لـ »محمد علي باشا« حاكم مصر الذي شجعه استيلائه على الحجاز السعي أيضا 879مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني للسيطرة على الشام، وهو ما كان له بعد سلسلة تحالفات مع ولاة الأقاليم والأسطول الرو�سي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ولما كانت المنطقة مليئة بالصراعات والمؤامرات لم يستطع الأمير يوسف الاستمرار في إدارة إمارة الجبل، حيث فقد سلطته عليها، وضعف أمره بين الإقطاعيين. فتنازل عن الإمارة وسلم نفسه لـ » أحمد باشا الجزار«، فشنقه سنة 1790م بسبب مساندات الأمير لخصومه من المماليك الذين حاول الثورة عليه، ورفضه دفع الخراج المستحق عليه للجزار، فكان بذلك الأمير يوسف أول أمير شهابي يلقى هذا المصير. استولى الأمير »بشير الثاني« على سلطة الإمارة بدعم من »الجزار«، الذي فرض انتخابه على المؤتمر الإقطاعي الذي انعقد على إثر مقتل الأمير يوسف، من أجل تعيين خلفا له. وبعد موت الجزار سنة 1804م ، الذي عين في سنوات حياته الأخيرة واليّ على دمشق، عمد الأمير بشير الثاني إلى توطيد حكمه، وتحقيق طموحاته، فهاجم أولاد الأمير يوسف، وزعماء الإقطاع والمشايخ الدروز الأقوياء، فسلبهم ثرواتهم ومكانتهم، ولم يقف في وجه سياسة الأمير القمعية غير الشيخ »بشير جنبلاط«، لما كان له من الجاه والغني وتحالفات خارج الإمارة، فالتف حوله المعارضون للأمير بشير، وسعى بشير جنبلاط مع الأمير »عباس شهاب«25)*( سنة 1821م؛ إلى منع عودة الأمير »بشير الثاني«26،» وكانت غايته أن يتولى الإمارة رجل أقل سطوة من الأمير بشير أو أن يتولاها هو«27. غير أن مشروع جنبلاط لم يتحقق، وعاد بشير الثاني بعد حوالي تسعة أشهر، قويا أكبر من أي وقت م�سى، وبدأ في تصفية من تبقى من خصومه وفي مقدمتهم حليفه السابق، بشير جنبلاط، ففر هذا الأخير إلى حوران، فهجم الأمير »بشير الثاني« على المختارة معقل الأسرة الجنبلاطية، وهدم قصر بشير جنبلاط، وصادر أملاكه، ولما سمع »بشير جنبلاط« بما حدث عاد إلى لبنان، وأعلن ثورته على الأمير »بشير الثاني« في ديسمبر 1825م28، غير أن حركة التمرد التي ألتف حولها زعماء الدروز ومشايخها باءت بالفشل، فهرب بشير جنبلاط مع من بقي معه29)**( من أنصار إلى دمشق، وما إن وصل حتى اعتقله والي المدينة »عبد الله باشا« . ً وقاده إلى السجن في »عكا«، وأمام إلحاح الأمير بشير الثاني على الوالي ثم إعدامه شنقا لقد كان لوفاة بشير جنبلاط أثر كبير في تاريخ لبنان، وانتصارا لسياسة بشير شهاب المركزية، بعد تغلبه على آخر الأقوياء بين الزعماء الدروز الفاعلين30، وسدد بذلك ضربة قاضية لمكانة الدروز بالجبل، وقد قاطع الدروز بعد ذلك الأمير بشير الثاني، وأحجموا عن المشاركة في تسير شؤون الإمارة، وظلوا ينتظرون الفرصة السانحة للثأر. وعلى الرغم من أن الصراع بين »البشيرين« كان سياسيا، وأن الأمير ق�سى على البشير لأنه كان يمثل بالنسبة له خصما سياسيا عنيدا ومنافسا قويا له في الإمارة، إلا أن الدروز حولوا النزاع إلى صراع ديني طائفي، ً وظلوا ينظرون للأمير بشير كعدو مسيحي لطائفتهم31، خاصة بعد أن أعلن الأمير بشير رسميا اعتناقه المسيحية32)*(، وازداد اتكاله على القوة العددية للمسيحيين للتغلب على المقاطعجية مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 880 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الدروز33، الذين أرهقهم بدفع الأموال له، فتقلصت ثرواتهم إلى حدا كبير34. وقد زاد من عزلة الدروز وضعفهم التحالف الذي أقامه بشير الثاني مع المصريين، عقب اجتياح هؤلاء الآخرين لبنان في نوفمبر 1832، فبعد وصول جيش إبراهيم باشا )الإبن الأكبر لـ »محمد علي«( إلى عكا وحصارها. قرر الأمير بشير الوقوف إلى جانب حليفه السابق محمد علي باشا، ووضع عسكره في خدمته، فشاركوا في معارك إبراهيم باشا للسيطرة على صور وصيدا وبيروت وطرابلس، ودمشق التي استولوا عليها بسهولة، كما ألحق هزيمة كبرى بالجيش العثماني الذي جاء لمنازلته في حمص، ثم استولوا على حلب، وتوغلوا في آسيا الصغرى، وواصلت القوات معاركها، وهددت الأستانة ذاتها ولم يتوقف إبراهيم باشا إلا بناءا على طلب من الدول الكبرى، فقبلت الإمبراطورية العثمانية على مضض في 04 ماي 1833م بولاية باشا مصر على سوريا وفلسطين ولبنان وجزيرة كريت. وهكذا صار لبنان جزء من مناطق نفوذ »محمد علي«، وتحت وصاية ابنه إبراهيم باشا الذي عمل على إدخال العديد من الإصلاحات على إدارة الجبل، التي أثارت إعجاب اللبنانيين بها، وخاصة المسيحيين. لم ترض الإمبراطورية العثمانية بالوضع الذي فرضه عليها »محمد علي«، وسارعت إلى تنظيم الهجوم المضاد مدعومة ببريطانيا، ألدّ أعداء »محمد علي«، الذي حظي بدعم فرن�سي كبير ومتميز35. وأعتبر الدروز أن الفرصة مواتية من أجل الانتقام لزعيمهم »بشير جنبلاط«، واستعادة مكانتهم في حكم الجبل، فاغتنموا فرصة الوضع الجديد وأعلنوا عصيانهم على الأمير بشير الثاني والالتحاق بالجيش العثماني36، في الوقت الذي وقف الموارنة إلى جانب الأمير بشير الثاني و«محمد علي«، خاصة بعد إعلان هذا الأخير نهاية عهد نظام الملل، وبداية عهد المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين والمسحيين على السواء37، وهكذا بدأ التباعد يتسع أكثر بين الطائفتين الرئيسيتين في الجبل، الدروز والموارنة، وعملت الدول الأوروبية والإمبراطورية والاقتصادية السياسية أهدافها تحقيق أجل من التباعد هذا استغلال على العثمانية والعسكرية في الجبل. فتحول الإقطاعية، إلغاء إلى الثاني« »بشير الأمير مع باشا« »إبراهيم سعى وقد المقاطعجيون إلى موظفين عامين وجباة للضرائب، لا لحسابهم الخاص كما كان في السابق، وإنما لحساب الدولة وباسمها، وتلقّوا لقاء ذلك رواتب ثابتة، وتم تطبيق هذه السياسة بلا تمييز في المراتب والمذاهب. وهكذا عاش أهالي الولايات التي كانت تحت الحكم المصري في سلام الأمن وأخد العثمانيون38. فساد كانت تحت سيطرة التي الولايات بالمقارنة مع وطمأنينة، الازدهار الاقتصادي ينتعش في كل قطاعات الحياة الاقتصادية بفعل النشاط التجاري مع أوروبا خاصة في المجال الزراعي التي أدخل عليه الخبراء المصرية تحسينات عديدة، كما أدخلوا بعض المنتجات التي لم يكن الجبل متميز بها. 881مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني لكن محاسن النظام المصري سرعان ما ذابت في مساوئه، وجعلت الحكم المصري ممقوتا من طرف الأهالي خاصة الدروز المتضررين أكثر من وجوده، ودعمه لخصمهم الأمير »بشير ثاني«، وقد تجلت أبرز هذه المساوئ في أربعة أوجه كانت متنافية في أهدافها مع مصالح الأهالي، وهي؛ الضرائب المتصاعدة، الاحتكارات، التجنيد الإجباري، ونزع السلاح من الجميع. وكل هذه الأسباب وغيرها، عجلت بزوال النظام المصري، ومعه نظام الإمارة في الجبل. ثالثا : نهاية نظام الإمارة في الجبل يؤرخ الكثير من الباحثين لنهاية حكم الإمارة بلبنان بتنحية ونفي الأمير بشير الثالث سنة 1842م39، لكن الحقيقة هي أن النظام انتهى فعليا في جبل لبنان منذ صدور قرار الباب العالي بإقالة الأمير »بشير الثاني«، وتعيين الأمير بشير الثالث خلفا له دون المرور في ذلك بالمؤسسات التقليدية للجبل، التي كان يعهد لها بمثل هذه التعيينات، منذ ظهور نظام الإمارة في عهد المعنيين، وقد انهي القرار الأخير بصورة فعلية نظام الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به الإمارة، وألحق لبنان مباشرة بالإمبراطورية العثمانية مثل غيره من الولايات المحيطة به. وقد أثار قرار الباب العالي بتنحية بشير الثاني انقسام الجبل؛ إلى موارنة يؤيدون عودة الأمير المخلوع، ودروز يرحبوا بالأمير الجديد، بسبب التجاوزات الكثيرة التي ارتكبها في حقهم الأمير السابق، والذي اتبع سياسة حازمة تجاه الدروز من اجل تقوية قبضته فصادر ممتلكات المشايخ الكبار، ووزعها على أفراد أسرته والمقربين إليه من الموارنة. وما أن عيَن الأمير الجديد حتى بدأ الدروز بمطالبته بما فقدوه من أملاك وامتيازات، غير أن الأمير بشير الثالث لم يستجيب لنداءاتهم، وأكثر من ذلك القي القبض على البعض منهم، وجرد آخرين من ما تبقى لديهم من أملاك. فزادت نقمة الدروز على الأمير الجديد، ورفضوا أي شكل من التعاون معه، مما جعل الأمير بشير الثالث يدرك جيدا خطورة الموقف فسارع إلى إنشاء مجلس يتكون من أثنى عشر مثل فيه الطوائف الرئيسية في الجبل لمعاونة الأمير في إدارة شؤون القضاء. إلا أن الدروز ُ عضوا ت رفضوا الانطواء تحت هذا المجلس وجددوا مطالبهم باسترجاع ممتلكاتهم وامتيازاتهم السابقة. وهو الموقف الذي أثار غضب الموارنة وخاصة البطريك الماروني »يوسف حبيش« الذي »أصدر منشورا وقع عليه كبار الموارنة يدعون فيه نصارى المناطق الدرزية إلى التمرد على السلطة القضائية الإقطاعية الدرزية لكي يقوموا هم بممارستها«40، وهو ما اعتبر الدروز عملا تحريضيا عدائيا من جانب الموارنة. لقد وصلت العلاقة بين الموارنة والدروز إلى درجة كبيرة من التوتر والاحتقان، ولم تكن حادثة الصياد الماروني41)∗(-ـ يسميها البعض بحادثة بعقلين- إلا شرارة اندلاع الاقتتال بين الفريقين في 13 أكتوبر 421841. وقد عمت الفو�سى جميع مناطق الجبل دون استثناء، فطلب أهالي »دير القمر« الحماية من القناصل الأوروبيين في بيروت، وقام هؤلاء بمساعي لدى الدولة العثمانية يدعونها للتدخل، وتجنب المزيد من الخراب على الجبل، وهو ما حدث، فقد أمر مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 882 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الباب العالي من والي بيروت بالتدخل العسكري المباشر لوقف الفتنة، فاحتل الجيش العثماني بقيادة »مصطفى نوري باشا« المواقع الإستراتيجية في الجبل، وفرض النظام العام بالقوة على الطرفين فوقعت مصادمات بين كلا الفريقين والجيش العثماني في عدد من المناطق43. وعقب هذه الأحداث دعا القائد العسكري العثماني »مصطفى نوري باشا« إلى اجتماع في بيروت في 16 جانفي 1842م وضم والي المدينة بالإضافة إلى ولاة دمشق وعكا وطرابلس. وأعلن في هذا الاجتماع تنحية »الأمير بشير الثالث« آخر الأمراء الشهابين عن ولايته، وانتهاء نظام الإمارة في لبنان بعد ثلاث قرون من الوجود، وقيام الحكم العثماني المباشر لأول مرة منذ دخول السلطان »سليم الأول« إلى سوريا سنة 1516م44، وعين »عمر باشا النمساوي«45)**( حاكما على جبل لبنان، واتخذ من قصر الشهابيين في بيت الدين مقرا له 46، وقد أختار العثمانيون هذا الرجل بالذات، نظرا أولا لمشاركته في حروب إبراهيم باشا، وانه أيضا كان مسيحيا وأعتنق الإسلام. عمد الحاكم الجديد عمر باشا النمساوي منذ توليه السلطة إلى كسب ود السكان على اختلاف مذاهبهم وأحزابهم، فأعاد إلى كبار الإقطاعيين الدروز والموارنة أملاكهم التي فقدوها، وعين عدد من زعماء الطائفتين مستشارين ووكلاء له، كما اتخذ احد كبار اللمعيين نائبا له. عمل عمر باشا النمساوي على إضفاء الشرعية على حكمه، فأمر رجاله أن يستكتبوا السكان عرائض يوجهونها للباب العالي، ولقناصل الدول الأوروبية في بيروت »يشكرونه فيها على إنهاء الحكم الشهابي، ويسترحمون تثبيت الحكم العثماني المباشر«47. وقد رفض الموارنة وزعماءهم الإمضاء على مثل هذه العرائض، غير أن الحاكم الجديد قام بتزوير أختام عدد من زعماء الكنيسة المارونية ورجال الإقطاع الرئيسين، ويرسل العرائض. إن الأسلوب الذي اتبعه عمر باشا أكد على أنه كانت تنقصه المقدرة والحنكة السياسية ليدرك حقيقة الوضع في لبنان، وكيفية التعامل معه، بالرغم من محاولته اللعب على حبل التفرقة متبعا سياسة »فرق تسد«بين الدروز والموارنة، واستمالة كل فريق منهم على غرار الأمراء السابقين، إلا انه لم يظفر في النهاية بولاء أي أحد منهم، بل استعدى عليه الجميع. وقرر »عمر باشا النمساوي« استخدام القوة لحماية نظامه، فقام بالقبض على سبعة من كبار مشايخ الدروز الإقطاعيين وسجنهم، وبينما كان قناصل الدول الأوروبية في اسطنبول يضغطون على السلطان من أجل تسوية القضية اللبنانية، كان الدروز في لبنان يستعدون بقطع الطرق المؤدية إلى بيت الدين )مقر الحاكم(، وحاول ً للثورة على الحكم العثماني، بدءا الدروز ضم الموارنة إلى ثورتهم على العثمانيين، واقترحوا على البطريك في بيان أرسلوه إليه عقد ميثاق ماروني ـ درزي، ووعدوا فيه بالموافقة على عودة الشهابيين إلى الإمارة وتعويض الأهالي الموارنة عن كل خسائرهم خلال أحداث 1841م48، وحث القنصل الفرن�سي ببيروت الموارنة على قبول عرض الدروز، والمشاركة في ثورتهم ضد العثمانيين، غير أن جهود الوساطة تلك سرعان 883مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني ما فشلت، بسبب الشكوك التي أحاطت بين الطرفين، فالعداوة بينهما كانت قد بلغت في ذلك الحين درجة يستحيل معها أي عمل لتوحيد الجهود، لذلك قرر الدروز الانفراد بالثورة التي قادها »شبلي العريان« في أواخر أكتوبر 1842م49، حيث احتل رجاله جميع الهضاب المحيطة ببيت الدين وقطعوا المياه عن القصر، مما أثار الأمر خوف »أسعد باشا« والي صيدا الجديد، فأرسل من يفاوض الدروز على الانسحاب من منطقة الشوف، غير أنهم أصروا على البقاء في مواقعهم ما لم يستجيب لشروطهم، بإطلاق سراح الزعماء الدروز المعتقلين، وإعادة السلطة إليهم، وإعفاء الجبل من الخدمة العسكرية الإجبارية، والتوقف عن تجريد اللبنانيين من السلاح، وإلغاء الضرائب على المواطنين لمدة ثلاث سنوات، وإقالة عمر باشا فورا50. رفض والي صيد الرضوخ لمطالب الثوار الدروز، وبعث بقواته إلى دير القمر لمباغتتهم من الخلف، في الوقت الذي أصدر فيه أوامره لعمر باشا باختراق الحصار ومواجهة الدروز من الأمام51، مما اضطر الثوار للاستسلام في 07 ديسمبر521842، وفرا الزعماء إلى حوران وسلم القائد شبلي العريان نفسه53)*(، بعد ان فقدوا الأمن في نصرة الموارنة لهم. وقد أعقب أسعد باشا إخماده لثورة الدروز بإقالة الحاكم عمر باشا النمساوي، وتعيين »محمد باشا« خلفا له في نفس اليوم الذي توصل فيه الباب العالي إلى اتفاق مع القناصل الأوروبيين حول مشروع جديد لحكم لبنان يتم تنفيذه مطلع السنة التالي54. لقد ولدت البنية الطبقية الطائفية التي ميزت نظام الإمارة كل الصراعات والحروب التي عرفها جبل لبنان خلال هذه المرحلة، ويمكن ان نستخلص أهم مميزات هذه المرحلة في النقاط التالية: 1- نظام الملل واسعة استقلالية العربية البلاد في حكم عهدها أوائل العثمانية الدولة تتيح كانت للجماعات المحلية وللملل الدينية، وكانت العلاقة تنحصر بين هذه الجماعات والملل من جهة، جبى عبر المشايخ والأمراء والبطاركة ُ وبين مركز الدولة من جهة ثانية، في نطاق دفع الضريبة التي ت المحليين. وقد تمتعت هذه الملل والجماعات بمقدار من التسامح الديني ومن الحرية في ممارسة الشعائر. فكان رعايا السلطنة منقسمين على أساس ديني هم المسلمون _ والسنة تحديدا لأنه لم يكن يعترف بالشيعة في ذلك الوقت _ والذميين وهم الرعايا من الديانات الأخرى. وقد ترتب على هذه القسمة فروقات ملموسة في العلاقات بين الجماعات خصوصا في مضمار توزيع العمل الاجتماعي. فكان مسيحيو لبنان محرومون من الوظيفة الإدارية والخدمة العسكرية، فانحصر نشاطهم في الزراعة والتجارة والحرف والمهن الحرة. ومن خلال هذا الموقع الاجتماعي المتفاوت، غلبت على الطائفة الدرزية الوظيفة القتالية والبنية القبلية وجماعة مسيحية غلب عليها الانتماء العامي)عامة الشعب(، وسوف يكون لهذا النظام في تحويل النزاعات الاجتماعية والسياسية إلى نزاعات طائفية في وقت لاحق من مراحل مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 884 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني تطور لبنان السيا�سي. 2- الطبقية في المجتمع للإقطاعيين لبنان في والقانونية السياسية السلطة العثمانية الإمبراطورية أعطت الذين وشحهم السلطان بمجموعة من الألقاب، منها؛ أمير، مقدم وشيخ ـ وأقر لهم نسبة من الضرائب العقارية والمنتجات الزراعية يعيشون، فيما تم اعفاءهم من كل الالتزامات المالية والضريبية المستحقة على املاكهم وفق القانون العثماني، بينما العامة ـــ وهي التسمية الجارية على جميع من لا يملك لقبا من الألقاب ــــــــــــ والذين كانوا أكثريتهم من الفلاحين، والمزارعين الأغنياء والحرفيين والتجار والمرابين55. وكانت كل الأعباء تقع على كاهلهم، الأمر الذي فجر الكثير من النزاعات بين هاتين الطبقتين )الاقطاعيين والعامة( حول الضرائب والمشاركة السياسية، في شكل انتفاضات عامة ، وتسمى باللهجة العامية اللبنانية »قومات« أو«عاميات«. 3- النزاع بين الحكام المحليين والسلطة المركزية يعتبر النزاع بين السلطة المركزية للباب العالي والسكان المحليين حقيقة ثابت في السياسة العثمانية بالمنطقة العربية منذ قيام الإمبراطورية العثمانية، وكان لبنان نموذج لهذه العلاقة المضطربة ، فكلما وصل حاكم محلي ويكوّن قدرا من القوة إلا وتمرد على الباب العالي، مستغلا في ذلك انتكاسة عسكرية للسلطنة أو نزاعا على السلطة في إسطنبول ، وفي كثيرا من الأحيان كانت حركات التمرد والاستقلال تلقى دعما من طرف جهات خارجية وخاصة القوى الأوروبية التي كانت تبحث عن موطئ قدم في أرا�سي الإمبراطورية العثمانية. 4- النزاعات بين أسر الإقطاعيين أصبحت هذه النزاعات الوجه البارز في الجبل بين أسر الإقطاعيين من أجل الحصول على الالتزام من الدولة العثمانية أو التنافس بين الأبناء على الخلافة، وتترافق هذه النزاعات دائما مع التنافس لإرضاء النافذين في اسطنبول أو الولاة العاملين في المناطق المجاورة. وكان الشكل التقليدي لانتظام القوى المتنازعة في المشرق العربي هو العرضية القيسية- اليمنية. وهي العرضية التي لا تزال مستمرة في الجبل اللبناني داخل الجماعة الدرزية، والتي تحولت إلى الحزبية الجنبلاطية ـ اليزبكية ) الأرسلانية(. رابعا : الحكم العثماني المباشر لجبل لبنان عقب أحداث الاقتتال بين الموارنة والدروز، دعا القائد العسكري العثماني »مصطفى نوري باشا« إلى اجتماع في بيروت في 16 جانفي 1842م وضم والي المدينة بالإضافة إلى ولاة دمشق وعكا وطرابلس. وأعلن في هذا الاجتماع تنحية »الأمير بشير الثالث« أخر الأمراء الشهابين عن ولايته، وانتهاء نظام الإمارة في لبنان بعد ثلاث قرون من الوجود، وقيام الحكم العثماني 885مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني المباشر لأول مرة منذ دخول السلطان العثماني »سليم الأول« سوريا لأول مرة سنة 1516م56، وقام »مصطفى نوري باشا« في هذا الإجتماع باختيار ذات الاجتماع »عمر باشا النمساوي«57)*( حاكما على جبل لبنان، واتخذ من قصر الشهابيين في »بيت الدين« مقرا له 58، وجاء اختيار العثمانيون لهذا الرجل بالذات، نظرا لمشاركته في حروب »إبراهيم باشا«، واعتناقه الإسلام بعد أن كان مسيحيا ولذلك فهو على معرفة جيدة بالحساسيات الدينية والطائفية في جبل لبنان. سعى الحاكم الجديد عمر باشا النمساوي منذ توليه السلطة، إلى كسب ود السكان على اختلاف مذاهبهم وأحزابهم، فأعاد إلى كبار الإقطاعيين الدروز والموارنة أملاكهم التي فقدوها، وعين عدد من زعماء الطائفتين مستشارين ووكلاء له، كما اتخذ احد كبار اللمعيين نائبا له. عمل عمر باشا النمساوي أيضا على إضفاء الشرعية على حكمه، فأمر رجاله أن يستكتبوا السكان عرائض يوجهونها للباب العالي، ولقناصل الدول الأوروبية في بيروت »يشكرونه فيها على إنهاء الحكم الشهابي، ويسترحمون تثبيت الحكم العثماني المباشر«59. وقد رفض الموارنة وزعماءهم الإمضاء على مثل هذه العرائض، غير أن الحاكم الجديد قام بتزوير أختام عدد من زعماء الكنيسة المارونية ورجال الإقطاع الرئيسين، وختم بها هذه العرائض، وبعث بها إلى الباب العالي. ومن خلال الأسلوب الذي أتبعه »عمر باشا« تبيّن أن الحاكم الجديد للجبل كانت تنقصه المقدرة والحنكة السياسية ليدرك حقيقة وطبيعة الوضع في لبنان، وكيفية التعامل معه، بالرغم من محاولته اللعب على حبل التفرقة متبعا سياسة “فرق تسد” بين الدروز والموارنة، واستمال كل فريق منهم على غرار الأمراء السابقين، إلا أنه لم يظفر في النهاية بولاء أي أحد منهم، بل استعدى عليه الجميع ضده. وبعد فشله في كسب ود سكان الجبل وزعمائهم، قرر “عمر باشا” استخدام القوة لحماية نظامه، فقام بالقبض على سبعة من كبار مشايخ الدروز الإقطاعيين، مما أثار ذلك ردة فعل قوية من الدروز. وبينما كان قناصل الدول الأوروبية في اسطنبول يضغطون على السلطان من أجل تسوية القضية اللبنانية، كان الدروز في جبل لبنان يستعدون للثورة على الحاكم العثماني “عمر باشا النمساوي”، وبدأوا بقطع الطرق المؤدية إلى بيت الدين )مقر الحاكم(، وقد سعى الدروز إلى ضم الموارنة إلى ثورتهم على العثمانيين، واقترحوا على البطريك في بيان أرسلوه إليه عقد ميثاق ماروني- درزي، ووعدوا فيه بالموافقة على عودة الشهابيين إلى الإمارة وتعويض الأهالي الموارنة عن كل خسائرهم خلال أحداث 1841م60، وحث القنصل الفرن�سي ببيروت الموارنة فقبول عرض الدروز، والمشاركة في ثورتهم ضد العثمانيين، غير أن جهود الوساطة تلك سرعان ما فشلت، بسبب الشكوك التي أحاطت بين الطرفين، فالعداوة بينهما كانت قد بلغت في ذلك الحين درجة يستحيل معها أي وجود عمل لتوحيد وتنسيق الجهود، لذلك قرر الدروز مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 886 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الانفراد بالثورة التي قادها »شبلي العريان« في أواخر أكتوبر 1842م61، حيث أحتل رجاله جميع الهضاب المحيطة ببيت الدين وقطعوا المياه عن القصر، ما أثار الأمر خوف »أسعد باشا« والي صيدا الجديد، فأوفد من يفاوض الدروز على الانسحاب من منطقة الشوف، غير أنهم أصروا على البقاء في مواقعهم ما لم يستجيب لشروطهم، بإطلاق سراح الزعماء الدروز المعتقلين، وإعادة السلطة إليهم، وإعفاء الجبل من الخدمة العسكرية الإجبارية، والتوقف عن تجريد اللبنانيين من السلاح، وإلغاء الضرائب على المواطنين لمدة ثلاث سنوات، وإقالة عمر باشا فورا62. بمصالح وتضر تعجيزية، وأعتبرها الدروز، الثوار لمطالب الرضوخ والي صيدا رفض الإمبراطورية العثمانية في المنطقة، وبعث بقواته إلى »دير القمر« لمباغتتهم من الخلف، في الوقت الذي أصدر فيه أوامره لعمر باشا باختراق الحصار ومواجهة الدروز من الأمام63، مما اضطر الثوار للاستسلام في 07 ديسمبر641842، وفرا الزعماء إلى حوران وسلم القائد شبلي العريان نفسه65)*(، بعد أن فقد الأمل في نصرت الموارنة لثورته. وقد أعقب أسعد باشا إخماده لثورة الدروز بإقالة الحاكم »عمر باشا النمساوي«، وتعيين »محمد باشا« خلفا له في نفس اليوم الذي توصل فيه الباب العالي إلى اتفاق مع القناصل الأوروبيين حول مشروع جديد لحكم لبنان يتم تنفيذه مطلع السنة التالي66. خامسا : العثمانيون ونظام القائمقامية في جبل لبنان كان مشروع إدارة شؤون جبل لبنان الجديد حلا وسط بين وجهتي النظر الفرنسية والعثمانية، فكانت مطالب الأولى، التي تبناها الموارنة، عودة الإمارة إلى البلاد، وإسنادها إلى عائلة آل شهاب المارونية. أما الثانية فاعترضت على عودة الشهابيين إلى الحكم، وأصرت على إبقاء الحكم المباشر للعثمانيين في جبل لبنان، واستفادت في هذا السياق من دعم بريطانيا المناوئة هي الأخرى لحكم الشهابين والمنافسة لفرنسا حول النفوذ في المنطقة67. وللوصول إلى حل بين الموقفين المتناقضين أقترح المستشار النمساوي »كليمنس مترنيخ«، تقسيم لبنان إلى منطقتين إداريتين، مارونية في الشمال، ومركزها »بكفيا«، ودرزية في الجنوب، ومركزها »بيت الدين«، يفصل بينهما طريق بيروت دمشق، ويعين لكل منهما قائمقام يمثل أبناء طائفته، ويختار من بين الأسر الإقطاعية المعروفة ويتولى إدارة شؤونها68، على أن تكون الكلمة الأخيرة في القضايا المهمة لوالي صيدا69)*(. وأيدت كل من فرنسا وبريطانيا هذا المقترح، مما جعل الباب العالي يوافق في النهاية على القرار رغم أنه لا يحقق كل طموح الإمبراطورية في جبل لبنان70. كان الهدف من هذا التقسيم التوفيق بين وجهتي النظر الفرنسية والعثمانية المدعومة من بريطانيا، وتضييق الخلاف بينهما، إلا أنه حمل معه الكثير من المخاطر بسبب الثغرات 887مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني التي بقيت دون معالجة منذ البداية، وكان هذا المقترح يعتمد بالأساس على النظرة الواقعية المحدودة لمنطقة لبنان، فقام على الاعتراف بالحقيقة الطائفية للجبل، وسعى من أجل التوصل إلى نظام حكم يكون مقبولا من الطرفين المتصارعين )الدروز والموارنة(، على أن يكون ذلك في إطار الاعتراف بالسيادة الشرعية للإمبراطورية العثمانية71، رغم أن الصراع لم يكن طائفيا. سارع والي صيدا »أسعد باشا« قائد الجيش العثماني المتمركز في صيدا، إلى تطبيق بنود الاتفاق العثماني- الأوروبي، وتعيين القائم مقامين. فوقع اختياره في الفاتح جانفي 1843م على »حيدر أبي اللمع« للقائمقامية المارونية، والأمير »أحمد أرسلان« للقائمقامية الدرزية. وهكذا تقاسم »قائمقام المسحي« و«قائمقام الدروز«، حسب التسمية التي أطلقت عليهما في البداية، إدارة الجبل تحت إشراف والي صيدا. عمل »خليل باشا« على إنجاح نظام القائم مقام ، بالتعاون مع جميع الأطراف، غير أن جهات لم تكن تريد ذلك، فقد ظل الشك والخوف من الآخر يحكمان العلاقة بين طائفتي الجبل، إذ رأى زعماء الدروز، ومن ورائهم قنصل بريطانيا في تدابير »خليل باشا« إضعافا لنفوذهم، ذلك أن الوكيل بموجب هذه التدابير، نافس سلطة أهل الإقطاع، وشاركهم في جباية الضرائب »فأصر هؤلاء على إلغاء الأنظمة الجديدة«72ورفضوا دفع أي تعويضات للموارنة، ما لم ينطو هؤلاء تحت سلطتهم، وهو ما رفضه الموارنة، ومن ورائهم القنصل الفرن�سي، وأصروا على عدم خضوع المسحيين للدروز مهما كان الثمن73)*(. وهكذا، لم يرض النظام الجديد وتدابيره الملحقة زعماء الدروز والموارنة، وظلت المناطق المختلطة دون حل، وتوترت العلاقة بين الطرفين من جديد، وفي الوقت الذي كان فيه الدروز يقلبون صفحات خلافاتهم الداخلية السابقة بعقد مؤتمر في المختارة في 02 فيفري 741845، للم الشمل من جديد، كان الموارنة ينظمون صفوفهم في »بعبدا«، وأنحاء مختلفة من البلاد لتوجيه ضربتهم للدروز. في 02 ماي من سنة 1845 انفجرت بمناطق مختلفة في الجبل نزاعات دامية بين الطرفين، وتشير المصادر أن الموارنة هم من باشروا بالهجوم في تلك الحرب الأهلية، والتي تسمى بـ«الحركة الثانية«75، حيث زحف موارنة »جزين« بقيادة »أبوسمرا غانم« على »المختارة«، وأحرقوا في طريقهم عدد من القرى الدرزية، وقتلوا أغلب أهاليها76، غير أن هذا الهجوم توقف أمام قوة المقاومة التي أبداها الدروز بـ»المختارة«، كما قام هؤلاء مقاومة عنيفة لموارنة منطقة »الشحار« و«بعبدا«، والذين منوا بهزيمة كبيرة في معركة تسمى »أعية«، والتي استسلم فيها عدد من الأمراء الشهابيين الذين قادوا الموارنة في تلك المعركة، والتي حسب الدكتور »فيلب حتى« أن الأتراك دعموا الدروز وشاركوهم في تلك المعركة77، ومعركة أخرى في المتن والمختارة بالشوف. وانتشرت نيران الحرب الأهلية في كل مناطق لبنان، وتدخلت الدول الكبرى كعادتها من مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 888 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني أجل تأجيج الصراع الطائفي، فدعم القنصلان البريطاني والرو�سي الدروز78، في الوقت الذي دعم فيه القنصل الفرن�سي الموارنة. لكنه وعندما اشتدت المعارك بين الجانبين، وخوفا من تجاوز المسألة المصلحة التي يسعون إلى تحقيقها في دعم امتيازاتهم بالمنطقة، سارعت نفس الدول إلى الاتفاق مع والي صيدا »وجيهي باشا«، بتوجيه دعوة للطرفين لوقف الاقتتال. وفيما كان الخلاف على أشده بين طرفي النزاع، والقتال يزداد عنفا في البلاد، أرسلت الدولة العثمانية وبإلحاح من هذه الدول وزير خارجيتها »شكيب أفندي«، الذي وصل إلى بيروت في 14 سبتمبر 1845، برفقة بعض القوات العثمانية79، لإنهاء القتال، وأن يكون حاسما فيما يتخذه من إجراءات، لكنه في نفس الوقت كان عليه أن يحترم ما تم التوصل إليه سابقا فيما يتعلق بالقائمقامية. ً بين الإطراف من حلول خاصة الطائفتين، وعلى رأسهم كبار زعماء باعتقال العالي الباب أمر مبعوث وفور وصوله القائمقاميين الدرزي والماروني، وتجريد الأهالي من السلاح، وهو ما أثار احتجاج قناصل الدول الأوروبية، حيث بعثت بمذكرة جماعية للباب العالي تطالبه فيها بالإفراج عن القائمقامين، كما تطالب فيها بالتوقف عن نزع سلاح المواطنين، ودفع التعويضات المالية للموارنة80. ولم يجد الباب العالي أمام الضغط الأوروبي سوى الرضوخ ـ كما هي العادة كل مرة، حيث أطلق سراح القائمقامين، وأستبدل الأمير »أحمد أرسلان« بأخيه »أمين« كقائمقام الدروز، وأبقوا على»حيدر أبي اللمع« في منصبه كقائمقام الموارنة، لقطع الطريق أمام رغبة الموارنة في عودة عائلة »آل شهاب« للحكم مجدد، بالإضافة إلى هذا، فقد التزموا بتوزيع المال على الموارنة على الأضرار التي لحقت بهم خلال هذه الأحداث والمستحقة على الدروز. كما استبدلوا ً تعويضا والي صيدا »وجيهي باشا« المتهم من طرف القنصل الفرن�سي والموارنة بتعاطفه مع الدروز، وحل مكانه »كامل باشا«، وأعلن بعدها » شكيب أفندي« في جويلية 1845 خطته الجديدة لتسوية القضية اللبنانية81، والتي عرفت باسمه. سادسا : العثمانيون ونظام شكيب أفندي قر ُ لم يختلف نظام »شكيب أفندي« في جوهره عن النظام السابق لجبل لبنان الذي أ سنة 1843، حيث تم تقسيم الجبل إلى قائمقامتين على رأس كل منها قائمقام يعينه والي صيدا، من بين الموارنة والدروز، وأضاف النظام الجديد لرئاسة القائمقامية، »مجلس القائمقامية« ويتكون من إثنى عشر عضو، في كلا القائمقامتين مهمته مساعدة القائمقام ، ويتشكل من نائب للقائم مقام وقا�سي، ومستشار عن كل من طوائف السنة والموارنة والدروز والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك، وتمثل الشيعة بمستشار في كل مجلس، لأن القا�سي المسلم السني يتولى القضاء للسنة والشيعة على السواء82. ويتولى والي صيدا اختيار أعضاء المجلسين باقتراح من زعماء طوائفهم، ويصرف لهؤلاء القضاة والمستشارين رواتب شهرية83، وتحدد مهمة كل 889مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني مجلس بتوزيع الضرائب المفروضة على البلاد والنظر في شكاوي ودعاوي الأهالي84، وفق ترتيبات محددة فصلها »نظام شكيب أفندي«. وقد استجاب »شكيب أفندي« لرغبة سكان »دير ، يعين على كل واحدة منها حاكم تركي تابعا ً القمر« و»جبيل« و»زحلة« بإعطائهم حكما ذاتيا لوالي صيدا85. لبنان هو سعيه في جبل السائدة النظم في أفندي« تغيّير أحدثه »شكيب أهم كان للقضاء على النظام الإقطاعي، حيث منح للمجلسين في كل من القائمقامتين صلاحيات كانت من قبل في أيدي الإقطاعيين، من مثل تحصيل الضرائب والحكم بين الناس، وغيرها. إلا أن أهم تغيير أفرزه النظام الجديد فكان لصالح العثمانيين، حيث دعم سلطة الباب العالي في لبنان، وأصبحت كلمته مسموعة في الشؤون الداخلية للجبل، ووضع أسس الإدارة الحديثة، حيث حل الموظفون المعينون محل الأمراء والشيوخ في الحكم، وقد تماشت هذه الإصلاحات مع مبادئ التنظيمات العثمانية، وذلك بإعطاء والي صيدا سلطات واسعة، لم يسبق لها مثيل في سابق أنظمة الحكم في لبنان86. لم يكن »نظام شكيب أفندي« بالسهل التطبيق على أرض الواقع بسبب الاعتبارات التي كانت سببا في اندلاع الحرب الأهلية )الحركة الثانية(، بالإضافة إلى التدخلات الأجنبية المستمرة بمصالحها وامتيازاتها المحققة في السابق، مما جعلهم ً التي رأت أن في هذا النظام إضرارا يحرضون الطوائف بالثورة على هذه الإجراءات. ولم يمض وقت قصير حتى وجد موارنة المناطق الدرزية ودروز المناطق المسيحية، أن الحال لم يتغير في ظل التدابير الجديدة، فزاد تذمرهم من الأوضاع والسلطة الحاكمة، وفي الوقت نفسه أدركت الأسر الإقطاعية في جميع أنحاء لبنان أن هذه التدابير تهدد مكانتها87، فعملت على عرقلتها، وأجمع مشايخ الدروز والموارنة على مقاومة كل تغيير إداري يهدد سلطتهم بالخطر، وعادوا إلى ممارساتهم الإقطاعية السابقة. وقد أثار كل هذا انقسامات كبيرة في صفوف اللبنانيين، وداخل الطائفتين المسيحية والدرزية؛ فالانقسام الذي وقع داخل المسيحيين لم يكن بين الموارنة والروم الأرثوذكس، فحسب، وإنما شمل الموارنة أنفسهم بعد وفاة البطريك الماروني »يوسف الخازن«، والقائمقام »حيدر أبى اللمع«، عند منتصف القرن التاسع عشر88. فقد كان لانتخاب البطريرك الجديد »بولس مسعد«89)*( في خريف عام 1854، أثر في مساندة رجال الدين للفلاحين في نزاعهم ضد الإقطاعيين. كما أحدث اختيار »بشير عساف أبي اللمع« في 11 ماي 1853 خلفا لعمه »حيدر« على رأس القائمقامية المارونية، انقساما كبيرا بين أنصار »بشير عساف«، وأنصار »بشير أحمد أبي اللمع« الذي اختير هو الأخر من طرف أنصاره في 13 أوت 1854، وهو ما أصبح يعرف بالانقسام بين »العسافيين« و»الأحمديين«90، والذي ساهم الانجليز والفرنسيين في زيادة حدته، بوقوف كل طرف إلى فريق المتنازعيين. أنشق و»جنبلاطيين«، »يزبكيين« بين التاريخي انقسامهم جانب فإلى الدروز أما مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 890 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني الجنبلاطيون على أنفسهم ما بين أنصار »نعمان جنبلاط« وأعوان أخيه »سعيد جنبلاط«، وقد آثر »نعمان« الانسحاب من المعترك السيا�سي لصالح أخوه، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لليزبكيين الذين التفوا حول »ناصيف أبى نكد«، وذلك من أجل إضعاف خصومهم من آل جنبلاط وزعيمهم »سعيد جنبلاط«. وكما هو عليه الحال بالنسبة للموارنة فقد وقف الانجليز غلى جانب »سعيد« ووقف الفرنسيون ومعهم العثمانيون إلى جانب القائمقام »أمين أرسلان«، لكن الكفة رجحت في النهاية لصالح »سعيد جنبلاط« بعد أن اجتمعت كلمة الجنبلاطيين واليزبكيين حول معاداة القائمقامية والسلطات العثمانية. ولما عرف خطورة الوضع أقاموا مصالحة مع الدروز الثائرين حتى لا تفتح على نفسها جبهتين متوازيتين في الشمال والجنوب. - ثورة الفلاحين بدأت الأحداث في منطقة كسروان على شكل ثورة اجتماعية ثار فيها الفلاحون على شيوخ الإقطاع من »آل الخازن« سنة 1858، بعد فشلهم في تحقيق مطالبهم بإلغاء أو تقليص التي يتقاضاها منهم زعماء الإقطاع، وإبطال المظالم والهدايا الإلزامية الضرائب والرسوم ك الأرا�سي التي يعملون ّ لمشايخ الإقطاع في المناسبات، ومساواة الجميع أمام القانون، وتمل فيها91، والتي ظلوا ينادون بها منذ بدأ تطبيق نظام »شكيب أفندي« في المناطق المختلطة، وما حققه فلاحوا هذه المناطق من تحرر من استغلال الإقطاعيين التقليديين، عكس المناطق ، والتي ظل بها أمراء الإقطاع هم أنفسهم أركان النظام الجديد، مما ً ودرزيا ً المتجانسة مسيحيا حرم العامة من الامتيازات الممنوحة في إطار هذا النظام، الذي هدف كما قلنا سابقا للقضاء على النظام الإقطاعي. وقد أنتخب الفلاحون في بداية هذه الثورة ممثلين عنهم في كل قرية، عرفوا »بشيوخ الشباب«، وعلى رأس هؤلاء كان يوجد قائد أعلى مهمته تولي قيادة العمليات ضد الإقطاع، وقد انتخب »طانيوس شاهين سعادة« شيخ شباب »ريفيون« لتولي القيادة العليا. وبعد مصادمات دامية ومتلاحقة بين الفلاحين المدعومين من الإكليرس الماروني »بولس مسعد«، وكذا القائمقام الماروني »بشير أحمد«92، من جهة، والمشايخ وأتباعهم من جهة أخرى، أعلن طانيوس شاهين قيام »الجمهورية« بقيادته93)*(، فتفاقم الوضع أكثر بين الجانبين خاصة بعد رواج إشاعة أن الخازنين على اتصال بوالي صيدا »بخورشيد باشا« للهجوم على كسروان، فقرر الفلاحون إخراج »الخازنين« جميعهم من المنطقة، فهجموا عليهم في قصورهم وقتلوا الكثير منهم، وسلبوا أموالهم وفرا الباقون منهم إلى بيروت94، ولم يتحرك أحد من حلفائهم الأوروبيين لنجدتهم وحمايتهم. لقد أدى نجاح ثورة الفلاحين في كسروان إلى انتقال لهيبها إلى المناطق اللبنانية الأخرى بما فيها الدرزية منها، وهو ما أثار قلق الإقطاعيين الدروز في قائمقاميتهم، وأقلق أيضا رجال الإكليرس الماروني الذين بدأوا يشعروا أن الثورة خرجت من بين أيديهم، وابتعدت عن تحقيق 891مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني أهدافهم في حكم الجبل، وبأن التغيير لن يكون من مصلحتهم. لذلك عمل البطريرك “بولس مسعد” من أجل عودة مشايخ “آل الخازن” إلى بيوتهم وأملاكهم. وهذا “ الميل نحو المشايخ بلغ ذروته، في شهري أوت وسبتمبر من سنة 1860، عندما أعلن البطريرك الماروني “بولس مسعد” الحُرمَ بحق كل من يمتنع عن إعادة أملاك المشايخ. وقد أصدر قرار بالحرم طال العديدين ومنهم طانيوس شاهين بالذات”95. أما في المناطق الدرزية وعلى الرغم من انتشار الفكر الثوري بين الفلاحين، إلا أن رجال الإقطاع وبمساندة القائمقام الدرزي، استطاعوا تهدئة الأمور، وتحويل مسار الثورة الاجتماعية ضد الطبقية والاستغلال، إلى فتنة طائفية بين الموارنة والدروز. لدا استجاب الفلاحون الدروز إلى نداءات العقال، بتجنب الفتنة والوقوف صفا واحد إلى جانب مشايخهم وزعماءهم لمواجهة الموارنة النصارى، الذين أصبحوا أكثر عدة واستعدادا للحرب. بدأ الاصطدام الأول بين الموارنة والدروز في 30 أوت 1859 في المتن على إثر شجار بين مواطنين من الطائفتين96)*(، تم على إثرها تراشق بالأسلحة أصيب أثناءها العديد من الجرحى من الجانبين، وحدثت بعدها مناوشات متقطعة بين الدروز والموارنة في المناطق التي يسكنها الفريقيين97، مما أثار ذلك حالة خوف لدى الفلاحين الموارنة في المناطق الدرزية، ففروا منها غير أن الدروز لاحقوهم مما اضطر موارنة »المتن« و»كسروان« للخروج لنجدة ومناصرة إخوانهم، فحدث اشتباك قوي بين الطرفين في أواخر ماي 1860، تراجع حينها الموارنة إلى مناطقهم، إلا أن الدروز واصلوا زحفهم على المتن، دمروا خلاله العديد من القرى المسيحية، مما جعل أهاليّها يهربون إلى بيروت، والاستنجاد بالقناصل الأوروبيين. ولم تفلح أي جهود مع الدروز في وقف القتال أو تمنعهم من مواصلة حربهم على الموارنة، والتي طالت أغلب المناطق التي يسكنها المسحيين في الجنوب، ونجحوا في السيطرة عليها مثل “واد التيم” و”البقاع” و”زحلة” و”دير القمر” و”الشوف”، حيث أصيب السكان بخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وأضطر عدد كبير منهم للفرار إلى المناطق المارونية في الشمال، في حين أتجه البعض الآخر خارج البلاد، مثل مصر واليونان98، كما لجأ عدد كبير منهم إلى الأسر الإسلامية السنية والشيعية، كما اتجهوا إلى بعض الأسر الدرزية التي امتنعت عن المشاركة في المعارك. وفيما كانت »حوادث الستين« بجبل لبنان تتجه بعض ال�سيء إلى التهدئة، انفجرت أحداث طائفية بين المسلمين والمسحيين بسوريا، خلال الأسبوع الأول من شهر جويلية 1860، حيث أقدمت مجموعة من الشباب وبتحريض من بعض وجهاء المدينة، على ارتكاب أعمال حرق ونهب في حي »باب توما« المسيحي مات خلالها أكثر من ألف مسيحي، ولم ينجُ الآلاف غيرهم إلا عندما تدخل الأمير عبد القادر الجزائري لحمايتهم99، وقدم لهم مقر سكنه للإقامة فيه، فكان بمثابة الملجأ الأمين لهم، »وبعث بمقاتلين جزائريين لمساعدة الأحياء المنكوبة، وانقاد من فيها من صولة الجموع الهائجة«100. لذلك لا يزال مسيحيو سوريا ولبنان أيضا يُكنون احتراما كبيرا للأمير وعائلته إلى غاية اليوم. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 892 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني وأخيرا تحركت الدول الكبرى الأوروبية ومعها الامبراطورية العثمانية من أجل وقف المجازر المرتكبة من الطرفين، فعقد مؤتمر دعت إليه فرنسا في باريس ضم بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا وحضر هذا الاجتماع السفير العثماني في فرنسا »محمد توفيق أفندي«، تقرر فيه التدخل لإيقاف المذابح، واتفقوا على إرسال قوة عسكرية قوامها اثنا عشر ألفا. غير أن فرنسا وحدها نفذت القرار فأرسلت جيشا قوامه سبعة ألاف مقاتل بقيادة الجنرال » بوفور دوتبول « ) Beaufort d›hautpoul(. لكن قبل وصول الجنرال الفرن�سي بيروت في 16 أوت 1860، كان وزير خارجية الإمبراطورية العثمانية “ فؤاد باشا” قد سبقه إلى البلاد على رأس قوة عسكرية، وبدأ في معاقبة الموظفين العثمانيين الذين تبث تورطهم في الأحداث101 ،سواء في سوريا أو لبنان، حيث أعدم أكثر من مئة وأحد عشر )111( ضابطا وجنديا عثمانيا بتهمة الاشتراك في المذابح والإهمال في تأدية الواجب رميا بالرصاص، كما قام بشنق والي دمشق وخمسين من مساعديه.أما في بيروت فقد أمر باعتقال والي صيدا وكبار ضباطه، ومعاونيه ونفيهم، ثم دعا سبعة وأربعين)47( زعيما درزيان فلم يلبي الدعوة إلا »سعيد جنبلاط«، والقائمقام »محمد أرسلان« واثني عشر زعيما أخر فأمر باعتقالهم والبقية فروا إلى حوران102، وهو ما أعاد الهدوء إلى البلاد، ولم تعد بذلك الحملة الفرنسية ذات موضوع، وعاد الجنرال الفرن�سي دون أن يقوم ب�سيء. شكلت عقب انتهاء الأحداث، ومعاقبة المتسببين فيها، لجنة دولية في بيروت من ممثلي بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا، وتحت رئاسة وزير الخارجية العثماني فؤاد باشا، للنظر في إعادة تنظيم لبنان، لكنها لم تتوصل إلى اتفاق إلا بعد مشاورات ومناقشات دامت ثمانية أشهر103)*(، بسبب اختلاف وجهات النظر بين أطراف اللجنة، حيث اقترحت فرنسا إعادة نظام الإمارة، وعلى رأسها أحد الشهابيين. ووافقت روسيا إلى حد ما على هذا الأمر، إلا أن بريطانيا والنمسا وتركيا رفضوا هذا الاقتراح. وعرضت بريطانيا أن يقام في سوريا الكبرى نظام شبيه ها ولاية واحدة تنعم بالاستقلال الداخلي تحت ّ بالنظام القائم أنداك بمصر، فتصبح البلاد كل حكم وراثي. ثم اقترحت أن يقسم لبنان إلى ثلاث قائمقاميات، مارونية ودرزية وأرثوذكسية104. وفي الأخير أجمعت اللجنة في 09 جوان1861 على إقرار نظام جديد لحكم لبنان، عرف باسم« النظام الأسا�سي«)Règlement Organique(، وجرى التوقيع عليه في الأستانة، كإجراء مؤقت لمدة ثلاث سنوات يمكن بعدها إعادة النظر فيه105. والجدير بالذكر هنا، أن فشل »نظام القائمقام« في لبنان يرجع إلى عدة عوامل، ومنها طبيعة النظام ذاته الذي أحدث شرخا كبيرا في وحدة الجبل، وأعطى الفرصة لتنامي ً أساسا النزعة الطائفية لدى المجموعتين.ومما لاشك فيه أيضا هو الدور الذي قامت به الأطراف الأجنبية في إشعال نار الفتنة، فقد شجع الفرنسيون منذ اللحظة الأولى القضية المارونية بالتخلص من الدروز، فعملوا على بث الفرقة بين سكان الجبل، وإعلان الموارنة الولاء المطلق لفرنسا، مما دفع العثمانيون والبريطانيون لاحتضان الدروز فتفاقم الخلاف أكثر بين الطائفتين. 893مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني فعمل الأتراك على هذه الخلافات من أجل استعادة سلطتهم المباشرة في لبنان. اما الانجليز فجاء مساندتهم للدروز من أجل منافسة فرنسا في لبنان، وضمان عدم انفرادها بالمنطقة التي تعتبر بالنسبة للطرفيين مهمة من الناحيتين الإستراتيجية والتجارية. وكان للإقطاعيين من الطائفتين دورا بارزا، في إشعال نار الفتنة الطائفية، عندما وجدوا أنها المخرج الوحيد لهم من ثورة الفلاحين الاجتماعية ضد الطبقية والاستغلال، والتي عجزا الإقطاعيون الموارنة عن موجهتها وقمعها في كسروان. وكذلك خوف الإقطاعيين الدروز من انتقال فتيل الثورة إلى مناطقهم فحركوا الشعور الطائفي في مواجهة المطالب الاجتماعية والاقتصادية لفلاحي الجبل. الخاتمة : عملت الامبراطورية العثمانية على استغلال النزاعات الإقطاعية والأسرية على حكم إمارة الجبل من أجل فرض وصايتها وتعيين الأمراء الذين يضمنون لها استمرار تحصيل الضرائب وزيادتها عند الحاجة، وهو ما أفرز نزاعات طبقية بين الاقطاعيين وصغار الفلاحين والحرفين الثورات اعطى الاقطاعيين العاميات”، ومع استمرارها هذه بـ” اللبنانية اللهجة في تسمى الصفة الطائفية لها من أجل الحصول على دعم أولاد الطائفة لإخمادها، مما يعني أن استغلال الطائفة جاء من أجل القضاء على الثورات الاجتماعية ضد اضطهاد الاقطاعيين. فشل الإقطاع وصراعهم على إمارة الجبل سهل من مهمة الباب العالي في انهاء نظام الإمارة، وإعلان الحكم المباشر علي جبل لبنان، لكن استمرار الصراعات والضغوطات الأجنبية عجل بانتهاء الوصاية العثمانية المباشرة على اللبنانيين، فلم يكن الوجود العثماني المباشر في جبل لبنان يعجب الدول الغربية، وخاصة فرنسا وضغطت من أجل إعادة الإدارة لأبناء لبنان. فجاء نظام القائمقامية بديلا للحكم العثماني المباشر وتقسيما طائفيا للجبل بين الموارنة والدروز. سمح التقسيم الطائفي للجبل بين الموارنة والدروز بإثارة الفتن على أساس طائفي بين أبناء الجبل برعاية القوى الأجنبية التي عملت على بث الفرقة بين الطوائف وتنصيب كل دولة نفسها حامية لطائفة من الطوائف الرئيسة في لبنان. ولم ينه نظام المتصرفية الذي أقرته الدول الأوروبية لإدارة لبنان المشكلتين الرئيسيتين اللتين أعاقتا تطور لبنان الاقتصادي والاجتماعي والمتمثلتان في النظام الاقطاعي والنظام بالنظام، العمل انهاء غاية إلى والمتصرفية العثمانيين الثورات ضد واستمرت الطائفي، وإخضاع كل مناطق لبنان من طرف الامبراطورية العثمانية بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى ، والتي انتهت بإقرار الانتداب الفرن�سي على كل البلاد. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 894 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني لقد كرس الوجود العثماني للبنان بمختلف أوجهه الاستقلال الذاتي للطوائف، وأصبح من المسلمات والثوابت التي يقوم عليها أي نظام حكم في البلاد. كما نستنتج أن سياسات التدخل الأجنبي في دعم استقلال الجماعات اللبنانية عن الإمبراطورية العثمانية، كان ينعكس على الصراع في الجبهة الداخلية، حيث أصبحت المجموعات المسيحية تستقوى بالغرب، فيما كانت المجموعات الاسلامية تستقوى بالإمبراطورية العثمانية، والذي انعكس فيما بعد على إدراك كل طرف لطبيعة الدولة اللبنانية الناشئة، فاعتبرها المسلمون بمثابة الانهزام، فيما رأى المسيحيون في إعلان دولة لبنان الكبير انتصارا لنضالهم ضد الامبراطورية العثمانية. ومنذ ذلك الوقت لازال اللبنانيون منقسمون في ولاءاتهم الداخلية والخارجية إلى اليوم. الهوامش : 1* لتنوخيين او تنوخ هم قبائل عربية نبطية كانت تقطن في جنوب سوريا والأردن )مملكة الأنباط سابقا( وغربي العراق وشمال الجزيرة تطلق عليهم المصادر اليونانية اسم “ساراكينوس«. بعد الفتح الإسلامي استقرت بطون ً العربية منذ القرن الأول قبل الميلاد، أحيانا وأفخاد منها واد التيم وجبل لبنان، حيث يؤرخ عبد الرحمان بدوي بأن مجيئ التنوخيين إلى واد التيم لأول مرة سنة 141 هجرية، بعث بهم الخليفة العبا�سي أبو جعفر المنصور، وذلك من أجل حماية الحدود الغربية والشمالية للدولة العباسية من اعتداءات الروم، كما حددت الهجرة الثانية للأمراء التنوخيين سنة 820م، وكان لهم في بيروت والمناطق الجبيلية المجاورة أول إمارة عربية على ساحل بلاد الشام، باعتراف الخلافة العباسية في بغداد. 2 فيلب حتي، تاريخ لبنان، )ترجمة:أنيس فريحة(، الطبعة الثانية. بيروت: دار الثقافة،1972، ص 437. 3 إدمون رباط، التكوين التاريخي للبنان السيا�سي والدستوري، الجزء الأول. لبنان: منشورات الجامعة اللبنانية، 2002، ص 029. 4)*( هو أحد أمراء آل سيفا، وهم أكراد كانوا يسيطرون على شمال لبنان ومقرهم طرابلس، وكانوا يسعون إلى بسط سيطرتهم على الإمارة المعنية بالكامل. 5** هو إبن فخرالدين المعني الأول، مؤسس الامارة المعنيّة 6 عمر عبد العزيز عمر، تاريخ لبنان الحديث،1516-،1915، ط1. بيروت: دار النهضة العربية، 2004، ص 31. 7*** الامير مو�سى بن علي الحرفوش، من أمراء آل حرفوش الذين حكموا البقاع اللبناني منذ أوائل فترة الحكم العثماني 8 المرجع نفسه، ص 32. 9 إدمون رباط، مرجع سابق، ص ص 293-292. 10 فليب حتى، مرجع سابق، ص 456. 11)*(يعود ظهور القيسية واليمنية في لبنان إلى العهد الأموي، حيث استوطنت أسر يرجع نسبها إلى القيسيين واليمنيين. والقيسية واليمنية هما رابطة نسب. فالقيسية هي نسب قبيلة قيس عيلان البدوية التي كانت تقطن منذ أمد بعيد في الوسط الشمالي من شبه الجزيرة العربية، بينما اليمنية فهي القبائل التي تعود بأصولها إلى اليمن. وهذه الجماعات القبلية كانت تتصارع مع بعضها على المراعي ومصادر المياه، التي لم تتوفر بكثرة في مناطق تواجدها. وفيما بعد أعتنق الفريقين الإسلام، لكن العداوة بينهما استمرت. وقد دخلت القيسية واليمنية لبنان في القرنين الثامن والثاني عشر مع القبائل العربية التي استوطنت فيه. 12 إدمون رباط، مرجع سابق، ص 293. 13 فواز طرابل�سي، تاريخ لبنان الحديث من الإمارة إلى إتفاق الطائف. بيروت: رياض الريس للكتب للنشر، 2008، ص 16. 14 لمعرفة المزيد حول العلاقة بين السياسة والدين عند الموارنة أنظر : 895مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني _ Sami khori, histoire du Liban à travers les archives des jésuites 1816-1845.Beyrouth: dar el machreq.1985. 15 إدمون رباط، مرجع سابق، ص 297. 16 مسعود ضاهر، الجذور التاريخية للمسألة الطائفية،ط4.بيروت: دار الفارابي،2009، ص 50. 17 عبد العزيز سليمان نوار مرجع سابق، ص 33. 18 فواز الطرابل�سي، مرجع سابق، ص 19. 19 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 60. 20 إدمون رباط، مرجع سابق، ص 300. 21 فليب حتى، مرجع سابق، ص 477. 22 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 69. 23 Michel Chebli, une histoire du Liban a l’époque des émirs. Beyrouth:librairie du Liban, 1984, PP 355-360. 24 كمال الصليبي، تاريخ لبنان الحديث. بيروت: دار النهار للنشر، 1967، ص 43. 25)*( أزدهرت في القرن الثامن عشر تجارة بجبل عامل تجارة التبغ مع الفرنسيين، وقد أهتم السكان بهذه الزراعة خاصة بعد أن وجدوا سوق لمحاصيلها لدى الفرنسيين والمصريين. ويعود ظهور الشيعة على مسرح الحياة اللبنية بالأساس لهذا السبب، حيث تحول كبار المزارعين إلى زعماء سياسيين. 26 كمال الصليبي، مرجع سابق، ص 58. 27 Toufic, Touma , paysan et instituions féodales chez le s druzes et les maronites du Liban du 18 éme siècle a 1914. Beyrouth: Pub. De université libanaise, 1972, pp136-137. 28 عمر عبد العزيز عمر، تاريخ لبنان الحديث 1516-1915،ط1. بيروت: دار النهضة العربية، 2004، ص 86. 29)**( بعد فشل ثورة بشير جنبلاط، قام الأمير بشير الثاني بنهب ممتلكات وعقارات الدروز، حيث لم يبق بيد المقاطعجية الدروز غير إقطاعيتين من أصل أثنى عشر إقطاعية، حيث استولى عليها الأمير وأعاد توزيعها على أنسابه. 30 فواز طرابل�سي، مرجع سابق، ص 22. 31 كمال الصليبي، مرجع سابق، ص ص 59-58. 32)*( يقول عنه المؤرخ “فليب حتى” بأن سياسة الأمير بشير في الأمور الدينية على كثير من التسامح وسعة الصدر فقد كان مسيحيا بالمعمودية، مسلما بالزواج، درزيا بالمصلحة لا عن اعتقاد. وهكذا أستطاع كما أستطاع أسلافه من الشهابيين أن يمهد السبيل للتقدم والرقي.وكان قصره في بيت الدين يحتوي على كنيسة وعلى جامع . غير أن بعض المؤرخين يشكك في اعتناق الأمير بشير المسيحية، ولا يوجد هناك تأكيد على ديانة الأمير فكل فريق يرجع دينه وفق ما يخدم إيديولوجيته في كتابة التاريخ. للمزيد أكثر عن ديانة الأمير بشير الثاني انظر أكثر: فليب حتى، مرجع سابق، ص 507-506. 33 فواز الطرابل�سي، مرجع سابق، ص 23. 34 Toufic, Touma, Op.cit, p 117. 35 فواز الطرابل�سي، مرجع سابق، ص 24. 36 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 90. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 896 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني 37 إدمون رباط، مرجع سابق، ص 306. 38 إدمون رباط، مرجع سابق، ص 308. 39 المرجع نفسه، ص 318. 40 بدر الدين عباس الخصو�سي، القضية اللبنانية في تاريخها الحديث والمعاصر. باريس: منشورات أسمار، 2007، ص 24. 41)∗( حادثة بعقلين أوحادثة الصياد الماروني، هي تلك الحادثة التي وقعت في 13 نوفمبر 1841، عندما أقدم صياد ماروني من دير القمر على اصطياد طير من الحجل في حقل لأحد الدروز من مشايخ أبى نكد في قرية بعقلين المجاورة، فوقع شجار بينه وبين أحد الدروز فتغلب هذا الأخير =على الماروني ونزع منه صيده، فاستصرخ الماروني أهله فتراكضوا نحوذلك الدرزي قصد الإيقاع به فاضطلع بعض البعقليين على الراكضين من أهل الدير نحو مزارعهم فحدثتهم أنفسهم بالركض أيضا لاستطلاع الأمر، فالتقى الفريقان واقتتلوا اقتتالا شديدا ، ولم ينفصل بعضهم عن بعض حتى وصل نصيف بك نكد بنفسه وكفهم عن التشاجر، فرجع كل فريق لدياره. وتواصلت بعد هذه الحادثة الاقتتال المسلح بين الطرفيين. أنظر أكثر : فليب حتى، مرجع سابق، ص526. 42 إدمون رباط، مرجع سابق،ص319. 43 Farah, Caesar, the politics of intervention in ottoman Lebanon. London: I.B publishers.2000, pp 30-47. 44 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 112. 45)**( إسمه الحقيقي “ميخائيل لاتاس”، وقد ولد في كرواتيا بالبلقان سنة 1806م ثم اسلم بعد ذلك واشتهر بـ عمر باشا النمساوي 46 فيليب حتى، مرجع سابق، ص 528. 47 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق،ص 112. 48 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 34. 49 المرجع نفسه، نفس الصفحة. 50 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 114. 51 كمال صليبي، مرجع سابق، 96. 52 المرجع نفسه، ص 96. 53)*( سلم قائد ثورة الدروز “شبلي آغا العريان” نفسه إلى والي دمشق، وحظي بمعاملة خاصة منه، وعرض عليه وظائف كبرى بالولاية، ولهذا يتهمه البعض بالخيانة، غير انه ظل الزعيم الدرزي الأكثر شعبية في لبنان، وعاود الثورة على العثمانيين مرة أخرى. 54 بدر الدين عباس الخصو�سي، القضية اللبنانية في تاريخها الحديث والمعاصر. باريس:منشورات أسمار، 2007، ص 35. 55 فواز طرابل�سي، مرجع سابق، ص 11. 56 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 112. 57)*( إسمه الحقيقي “ميخائيل لاتاس”، وقد ولد في كرواتيا بالبلقان سنة 1806م ثم اسلم بعد ذلك واشتهر بـ عمر باشا النمساوي 58 فيليب حتى، مرجع سابق، ص 528. 59 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق،ص 112. 60 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 34. 897مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني 61 المرجع نفسه، نفس الصفحة. 62 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 114. 63 كمال صليبي، مرجع سابق، 96. 64 المرجع نفسه، ص 96. 65)*( سلم قائد ثورة الدروز شبلي آغا العريان نفسه إلى والي دمشق، وحظي بمعاملة خاصة منه وعرض عليه وظائف كبرى بالولاية، ولهذا يتهمه البعض بالخيانة، غير انه ظل زعيم الدرزي الأكثر شعبية في لبنان، وعاود الثورة على العثمانيين مرة أخرى. 66 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 35. 67 Farah Caesar, Op.cit, p 26. 68 حمدى الطاهري، سياسة الحكم في لبنان،ط2 .القاهرة: المطبعة العالمية، 1976، ص 48. 69)*( يعتبر هذا المشروع بمثابة إقرار رسمي من جانب العثمانيين باستحالة إقامة التعايش بين المسحيين والدروز، ويرى الأستاذ حمدي الطاهر أن هذا القانون هوالسبب الرئي�سي الذي أدى إلى مذبحة 1845، لان كل فريق كان يرى بأن تخليه عن قريته معناه إفساح المجال لازدياد نفوذ الطائفة الأخرى، وهذا في غير مصلحته، لذلك ليس أمامه من وسيلة سوى القضاء على الطائفة الأخرى. 70 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 115. 71 Adil Ismail ,Histoire du Liban du XVIIe siècle à nos jours, Tome 01. Paris : Librairie Orientale et Américaine 1955, PP. 202-204. 72 المرجع نفسه، ص 101. 73)*( لقد ساد قلق وخوف كبيرين لدى الموارنة من عودة سلطة الدروز على الجبل مرة ثانية، وساد قلق أكبر حول وضع الموارنة المقيمين تحت سلطة الدروز والخاضعين لحكمهم، وقد بدلت محاولات عديدة من جانب الكنيسة لنقل هؤلاء الموارنة من المناطق الخاضعة لسلطان الدروز غلى المناطق الخاضعة لسلطان الموارنة مباشرة. وقد بعث البطريك الماروني التماسا للباب العالي يؤكد فيه أن النصارى يفضلون الموت عن العيش تحت حكم الدروز. 74 المرجع نفسه، نفس الصفحة. 75 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 41. 76 فواز طرابل�سي، مرجع سابق، ص 48. 77 فليب حتى، مرجع سابق، ص 529. 78 كمال صليبي، مرجع سابق، ص 103. 79 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 43. 80 المرجع نفسه، ص 44. 81 عبد العزيز سليمان نوار، مرجع سابق، ص 103. 82 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 45. 83 نقولا زيادة، أبعاد التاريخ اللبناني الحديث. القاهرة: منشورات معهد البحوث الدراسات العربية 1972، ص 102. مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية 898 دور الدولة العثمانية في ترسيخ الطائفية بلبنان العدد التاسع مارس 2018 المجلد الثاني 84 عبد العزيز سليمان نوار، مرجع سابق، ص 104. 85 فواز الطرابل�سي، مرجع سابق، ص 48. 86 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 125. 87 المرجع نفسه،ص 127. 88 كمال الصليبي، مرجع سابق، ص 109. 89)*( عرف عن البطريرك “بولس مسعد” المولود لدى أسرة متواضعة في كسروان بعداءه الشديد لرجال وشيوخ الإقطاع اللبنانيين، وتحالفه مع البرجوازية اللبنانية الناشئة نتيجة العلاقات بين الجبل وأوروبا. 90 المرجع نفسه، ص 110. 91 عمر عبد العزيز عمر، مرجع سابق، ص 130. 92 كمال الصليبي، مرجع سابق، ص 103. 93)*( حيث قامت في كسروان والمتن حكومة فلاحين، أو إدارة أشبه ما تكون بالجمهورية الشعبية، كانت مقاليد الحكم فيها بيد رؤساء اعترف بهم الأهالي تحت رئاسة طانيوس شاهين. أنظر أكثر: فليب حتي، مرجع سابق، ص 530. 94 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص 53. 95 Toufik Touma. Op.cit., p 269 96)*( تشاجر ولدان من الطائفتين الدرزية والمارونية، ولما كان الولد الدرزي أقوى من الماروني أوسعه ضربا، فجاء أبوه وبعض أقاربه إلى أب الدرزي ووبخوه على ما بدر من ابنه، ولما عادوا عنه، جمع الرجل أبناء طائفته وحرضهم على مقاتلة الموارنة، وأرسل أيضا أشخاصا الدروز القرى المجاورة لقريته يحرضهم أيضا على القتال. وما إن سمع الدروز بالخبر حتى تجمهروا وهجموا على الموارنة في قرية “بيت مرى” فتقاتلا الفريقين، وقتل خلالها عدد كبير من الدروز أكثر من الموارنة بسبب المقاومة الشرسة التي أبداها الموارنة أثناءها، وهوما زاد من حقد الدروز عليهم، ومن هنا بدأت أحداث ما تسمى “بحوادث الستين”، والحرب الأهلية اللبنانية لسنة 1860. 97 فليب حتى، مرجع سابق، ص ص 530،531. 98 كمال الصليبي، مرجع سابق، ص 143. 99 نقولا زيادة، مرجع سابق، ص 105. 100 إدمون رباط، مرجع سابق، ص 340. 101 فليب حتى، مرجع سابق، ص 533. 102 عصام سليمان، الفيدرالية والمجتمعات التعددية ولبنان. بيروت: دار العلم للملايين، 1991، ص 102. 103)*( عقدت اللجنة خلالها 25 اجتماعا، كان الأول منها في 05 أكتوبر 1860، والأخير في 05 ماي 1861. وقد عمل فؤاد باشا خلال هذه الاجتماعات على إقرار سلطة الدولة العثمانية على لبنان، وإبعاد قدر الإمكان النفوذ الأجنبي عنه، لذلك كان يتهرب من توقيع أي اتفاق لا يحقق هذا الهدف. 104 كمال الصليبي مرجع سابق، ص 147. 105 بدر الدين عباس الخصو�سي، مرجع سابق، ص ص 68،69.